من اتّباع أحسن الأقوال اتّباع أحسن جهاتها فانّ لكلّ قول يسمعه السّامع جهة لتقوية نفسه وجهة لتقوية عقله ، وبعبارة اخرى كلّ قول يسمعه السّامع امّا يسمعه بسمع نفسه أو بسمع عقله ، فان سمعه بسمع عقله واتّبع حكم العقل فيه كان ممّن اتّبع أحسن جهاته ، وان كان المراد به الولاية وصاحبها فالمقصود من اتّباع أحسنها أحسن جهاتها فانّ للولاية جهة الى الكثرات واحكام الرّسالات وجهة الى الوحدة وآثارها ، وإذا دار الأمر بين اتّباع جهة الوحدة وجهة الكثرة فليرجّح جهة الوحدة وهي أحسن جهاتها ، وهكذا الأمر إذا دار الأمر بين اتّباع خليفة الرّسالة وخليفة الولاية وهما الشّيخان في الرّواية والطّريقة فليرجّح شيخ الطّريق إذا كان الإنسان فارغا من احكام قالبه ، وإذا لم يكن عالما بأحكام قالبه فليرجّح شيخ الرّواية ، وإذا كان محتاجا إليهما في أحكامهما فليرجّح كلّ من كان حاجته اليه اشدّ ، فانّه أحسن الأقوال بالنّسبة اليه ، وهكذا في اتّباع جهات الولاية والرّسالة (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) الى الولاية فتمسّكوا بها فانّ الهداية ليست الّا بالتّوسّل بالولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) بتلقيح الولاية كما مرّ مرارا (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) كهؤلاء المبشّرين أو التّقدير خير أم هؤلاء المبشّرون؟ أو التّقدير يتخلّص منه أو الخبر فأنت تنقذ من في النّار بتقدير القول (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) يعنى انّ من حقّ عليه كلمة العذاب واقع في النّار ليس لوقوعه في النّار انتظار القيامة وليست بقادر ان تنقذه منها فهذه الجملة كناية عن وقوعهم في النّار ولذلك أتى في جانب مقابليهم بأداة الاستدراك كأنّه قال : ليس من حقّ عليه كلمة العذاب حالهم مثل من كان مبشّرا من الله فانّهم واقعون في النّار في هذه الحيوة الدّانيّة فكيف بالحيوة الآخرة (لكِنِ) المبشّرون (الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) وأتى بالاسم الظّاهر للاشعار بوصف آخر لهم ، وبانّ التّقوى محصورة فيهم وانّهم محشورون بذلك (لَهُمْ غُرَفٌ) جمع الغرفة بمعنى القصر الرّفيع (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) في الجنّة بناها الله بأيدى عمّاله لهم وهذا تشريف لهم ببناء القصر لهم (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد مضى في آخر سورة النّساء بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات (وَعْدَ اللهِ) وعد الله وعدا (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) عن الباقر (ع) انّه قال : سأل علىّ (ع) رسول الله (ص) عن تفسير هذه الآية بما ذا بنيت هذه الغرف يا رسول الله (ص)؟ ـ فقال : يا علىّ (ع) تلك غرف بناها الله لأوليائه بالدّرّ والياقوت والزّبرجد ، سقوفها الذّهب محبوكة بالفضّة لكلّ غرفة منها الف باب من ذهب على كلّ باب منها ملك موكّل به ، وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والدّيباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور وذلك قول الله وفرش مرفوعة (أَلَمْ تَرَ) الخطاب عامّ والاستفهام للتّقريع أو خاصّ بمحمّد (ص) والاستفهام للتّقرير لانّه (ص) يرى ذلك وان كان غيره لا يراه (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) اصنافه وأنواعه ، أو المقصود اختلاف الألوان حقيقة (ثُمَّ يَهِيجُ) يثور عن منبته بالجفاف (فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) متفتّتا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) تذكيرا بالصّانع وكمال حكمته وقدرته وعنايته بخلقه لا سيّما ببني آدم لانتفاعهم بما سواهم وكون ما سواهم لانتفاعهم دون ما سواهم وتذكيرا بانّ الأحياء بالحيوة الدّنيا مثل إنبات النّبات واخضراره وانحطاطه ويبسه واصفراره وتفتّته فلا يغترّ بها ويعلم انّها أيضا ليست مقصودة بالذّات بل هي كسائر الموجودات مقدّمة لغيرها وليطلب ذلك وليعمل له (لِأُولِي الْأَلْبابِ) الّذين قبلوا ولاية علىّ (ع) بالبيعة الخاصّة الولويّة كما تكرّر انّه لا يحصل اللّبّ للإنسان الّا بتأبير الولاية (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) يعنى اولى الألباب هم الّذين شرح الله صدورهم للإسلام أفمن شرح الله صدره للإسلام خير أم