المسافة الشاسعة بين المجموعة الضخمة للكواكب أو المجرّات لهذه الجزر الفلكية التي تعوم في الفضاء وتدور حول محورها ، ممّا يصعب حتى التفكير فيها ، فكل واحدة من هذه المجرّات تضم ملياردات الكواكب ، وإنّ مسافاتها على قدر من السعة بحيث إنّ الضوء (وبتلك السرعة الرهيبة والفريدة) يحتاج أحياناً مئات آلاف السنين من الوقت ليطوي المسافة بين كوكبين يقعان ضمن مجرّة واحدة. (١)
وبالطبع فإنّ الدقة المستعملة في بنية أصغر وحدة في هذا العالم كالدقّة المحيرة والمذهلة التي تشاهد في بنية أعظم وحدة ضخمة من وحداته ، والإنسان ـ في هذه الأثناء ـ هو أكمل موجود على الأقل عرفناه لحد الآن ، وهو أعظم محصول لهذا العالم ـ حسب علمنا طبعاً ـ بما يمتلكه من بنية عجيبة.
* * *
من جانب آخر :
نشاهد أنّ هذا الإنسان الذي يعد أعظم نتاج لهذا العالم ، يتحمل أية مشاكل وصعاب خلال هذه المدّة القصيرة من عمره التي تعتبر لحظة عابرة متبخرة إزاء عمر الكواكب والمجرّات ، فمرحلة طفولته التي تعدّ أصعب وأعقد مراحل حياته حيث تتضمن برامج غاية في الثقل الذي يرهق كاهله ، فقد وضع قدمه في محيط جديد لا يألف فيه أي شيء ، إنّه لا يعرف حتى كيف يحفظ لعابه وعليه أن يتوفر على تجارب كثيرة وإختبارات وإمتحانات متعددة وتمارين تأخذ أغلب أوقاته ليتعلم كيف يسيطر على عضلات شفتيه وأطراف فمه.
__________________
(١) رحلة إلى العوالم البعيدة ، ص ٨.