إنّه لايعرف الجهة التي ينبعث منها الصوت ، كما لايعلم الفاصلة بين عينيه والأشياء ولعله يعتقد بادىء الأمر بأنّ جميع الأشياء على صفحة واحدة وقريبة من عينه ، وليس له أدنى إطلاع عن حركة أمواج الهواء على الأوتار الصوتية وايجاد أنواع الأصوات ومن ثم تكسر وتشكل الأصوات بواسطة حركات اللسان وعضلات الفم والحنجرة ، وعليه أن يتمرن صباح مساء في مهده ويدرس ويطالع ويتدرب ليتعرف على محيطه ويستفيد من وسائله وأدواته ، أضف إلى ذلك عليه أن يكافح أنواع الأمراض ليتمكن من تحمل الظروف التي تواجهه في ذلك المحيط ، وعلى كل حال فإنّ أهميّة التمارين التي يزاولها من أجل التعرف على المحيط لتفوق التمارين المنهكة التي يمارسها رواد الفضاء من أجل التكيف على سطح القمر ، وهكذا يقضي فترة الطفولة بكل معاناتها.
ولايكاد يلتقط أنفاسه حتى يواجه المرحلة الصاخبة للشباب بعواصفها الشديدة الطاغية التي تعصره في معترك أمواجها ، وهكذا يتنقل من مرحلة إلى أخرى ، حتى لا يكد يقف على رجليه فتنقضي فترة الشباب ليرى نفسه في حالة الكهولة والشيخوخة ومن ثم العجز ، وهنا يشعر تدريجياً بأنّه أخذ يفهم بعض أخطائه الماضية ـ والتي لابدّ من بعضها بغية بلوغ حالة النضبح ـ فهو قلق ومضطرب ومنهمك في كيفية تداركها ، فيفكر مع نفسه بأنّه حصل الآن على تجربة تؤهله لحياة جديدة بنضبح أكبر ، ولكن للأسف أنى له ذلك وقد ضعفت القوى والموت كامن له في الطريق الذي سيحيل نضجه وتجاربه وعلومه ومعارفه تراباً ، وبغض النظر عن ذلك فإنّ هذه المراحل الثلاثة من عمره كانت مسرحاً لمختلف الحوادث المأساوية الطبيعية و