وفي الحقيقة فإنّ أعلام العلوم الطبيعية كالباحثين الذين يقفون كل يوم في حفرياتهم على آثار جديدة تتعلق بالحضارات السابقة طبعاً قد يبذل هؤلاء الباحثون والمنقبون جهودهم بالبحث عن الأشياء القديمة والتحفية لغرض تحقيق بعض الأرباح المادية ، لكن من المسلم به أنّ هناك آثاراً أخرى لهذه الجهود والتي تتمثل بالوقوف على كيفية ظهور المدنيات السابقة ومدى مهارة بناء تلك المدنيات.
توضيح ذلك :
دلّ تقدم العلوم التجريبية لأول مرّة على عدم وجود الفناء المطلق والعدم التام بتاتاً بالنسبة لمواد العالم والذي كان يستحوذ على عقول الكثير من القدماء ، فقد أثبت العالم الفرنسي المشهور «لافوازيه» إنّ أي مادة في الكون لا تفنى ، بل مواد العالم تتحول دائماً من شيء إلى آخر ، فلو أحرقنا شجرة ونثرنا رمادها في الهواء ، أو أشعلنا مقداراً من البنزين بأكمله بحيث لا تبقى ذرة منه ، فليس هناك أي فارق يحدث في المواد الموجودة في العالم ، وعلى أساس الفرض الأول فإنّ ذرات الشجرة تحللت وانتشرت في الأرض والهواء فأصبح جزء منها رماداً وآخر تبدل إلى غازات كاربونية (مركب من كاربون الشجرة واوكسجين الهواء) ولو توفرت الوسائل التي تقوم بجمعها من أتون أجزاء الأرض والسماء وفصلنا عنها اوكسجين الهواء ثم ركبنا بعد ذلك جميع الأجزاء لعادت تلك الشجرة الأولى دون أن ينقص منها حتى واحد بالألف من الغرام ، وفي الفرض الثاني (الإحراق التام للبنزين) يتبدل جميعه إلى غازات يمكن إعادتها إلى البنزين الأول ثانية دون أي نقص من خلال جمع تلك الغازات وترتيبها من جديد ، وعليه فقد