____________________________________
يستغفر إذا فرغ من الصلاة ، وكذا إذا خرج من قضاء الحاجات ومن هذا القبيل قول رابعة العدوية : استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير ، وله معنيان أحدهما : أصدق من الآخر فتأمل وتدبّر فلنعطف من هذا المقام إلى ما كنّا في صدده من الكلام.
فذكر القاضي أبو زيد (١) في أصول الفقه أن أفعال النبي صلىاللهعليهوسلم عن قصد على أربعة أقسام : واجب ومستحبّ ومباح وزلّة ، فأما ما كان يقع من غير قصد كما يكون من النائم والمخطئ ونحوهما فلا عبرة بها ، لأنها غير داخلة تحت الخطاب ، ثم الزلة لا تخلو عن القرآن ببيان أنها زلّة إما من الفاعل من نفسه كقول موسى حين قتل القبطي بوكزته هذا من عمل الشيطان وإما من الله سبحانه كما قال الله تعالى في حق آدم عليهالسلام : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (٢). مع أنه قيل زلّته كانت قبل نبوّته لقوله تعالى : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (٣). وإذا لم تخل الزلّة عن البيان لم يشكل على أحد أنما غير صالحة للاقتداء بها فتلقّى العبرة للأنواع الثلاثة.
وقد ذكر شمس الأئمة أيضا نحوه ، وفي شرح العقائد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الكذب خصوصا فيما يتعلق بأمر الشرع وتبليغ الأحكام وإرشاد الأمة أما عمدا فبالإجماع ، وإما سهوا فعند الأكثرين وفي عصمتهم عن سائر الذنوب تفصيل وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع ، وكذا عن تعمّد الكبائر عند الجمهور خلافا للحشوية (٤) ، وأما سهوا فجوّزه الأكثرون ، وأما الصغائر فتجوز عمدا عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه ، وتجوز سهوا بالاتفاق إلا ما يدل على الخسّة كسرقة لقمة وتطفيف حبة ، لكن المحقّقين اشترطوا أن ينبّهوا عليه فينتهوا عنه هكذا كله بعد الوحي ، وأما قبله فلا دليل على امتناع صدور الكبيرة خلافا للمعتزلة ومنع الشيعة صدور الصغيرة والكبيرة قبل الوحي وبعده ، لكنهم جوّزوا إظهار الكفر تقية (٥) فما نقل
__________________
(١) هو القاضي عبيد الله بن عمر الدبوسي المتوفى سنة ٤٣٠ ه وأشهر مصنفاته : تأسيس النظر وتقويم الأدلة المعروف بأصول الدبوسي.
(٢) طه : ١٢١.
(٣) طه : ١٢٢.
(٤) الحشوية هم الذين أدخلوا في الحديث كثيرا من الغرائب وسمّي ذلك حشوا أي حشو الحديث بالأخبار الغريبة ، والروايات المغلوطة ، ومنها المأخوذ عن اليهود ، وهو ما يسمى بالإسرائيليات.
وهم مشبهة. انظر الملل والنّحل ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٥) التقية : هي المداراة ، والتظاهر بعقيدة لا يعتقد بها صاحبها.