____________________________________
قال الإمام فخر الدين الرازي : الحق أن محمدا صلىاللهعليهوسلم قبل الرسالة ما كان على شرع نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المختار عند المحقّقين من الحنفية لأنه لم يكن من أمة نبي قطّ ، لكنه كان في مقام النبوّة قبل الرسالة وكان يعمل بما هو الحق الذي ظهر عليه في مقام نبوّته بالوحي الخفي والكشوف الصادقة من شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وغيرها.
كذا نقله القونوي في شرح عمدة النسفي وفيه دلالة على أن نبوّته لم تكن منحصرة فيما بعد الأربعين كما قال جماعة : بل إشارة إلى أنه من يوم ولادته متّصف بنعت ثبوته ، بل يدل حديث : «كنت نبيّا وآدم بن الروح والجسد» (١) على أنه متّصف بوصف النبوّة في عالم الأرواح قبل خلق الأشباح ، وهذا وصف خاص له لا أنه محمول على خلقه للنبوّة واستعداده للرسالة كما يفهم من كلام الإمام حجة الإسلام ، فإنه حينئذ لا يتميز عن غيره حتى يصلح أن يكون ممدوحا بهذا النعت بين الأنام ثم نبوّته ورسالته عليه الصلاة والسلام ثابتة بالمعجزات ، بل هو معجزة في حدّ الذات والصفات كما قال صاحب البردة :
كفاك بالعلم في الأميّ معجزة |
|
في الجاهلية والتأديب في اليتم |
وما أحسن قول حسان رضي الله تعالى عنه :
لو لم يكن فيه آيات مبيّنة |
|
كانت بديهته تأتيك بالخبر (٢) |
وبيانه أن ما من أحد ادّعى النبوّة من الكذابين إلا وقد ظهر عنه من الجهل والكذب لمن له أدنى تمييز بل وقد قيل : ما أسرّ أحد سريرة إلّا أظهرها الله على صفحات وجهه
__________________
(١) أخرجه الترمذي ٣٦١٣ وقال حسن صحيح والحاكم ٢ / ٦٠٩ كلاهما من حديث أبي هريرة.
ورواه أحمد ٤ / ٦٦ و ٥ / ٣٧٩ وابن أبي عاصم في السّنّة ٤١١ من حديث عبد الله بن شقيق عن رجل.
وأحمد ٥ / ٥٩ والحاكم ٢ / ٦٠٨ ـ ٦٠٩ وصحّحه ووافقه الذهبي من حديث عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفخر قال : قلت يا رسول الله ...
ورواه من حديث ميسرة أيضا ابن أبي عاصم في السّنّة ٤١٠ والطبراني ، وقال الهيثمي في المجمع ٨ / ٢٢٣ : رجاله رجال الصحيح ... وهو صحيح كما قال الألباني في الصحيحة (١٨٥٦).
(٢) أنشده المبرّد في الكامل ص ٩ ـ ١٠ لحسّان وهو في البيان والتبيين ١ / ١٥ والروض الآنف ١ / ١٨٧ وعيون الأخبار ١ / ٢٢٤ غير منسوب ونسبه في الإصابة ٤٦٦٧ إلى عبد الله بن رواحة.