____________________________________
[بردهم] (١) ، وفي رواية : تقول النار للمؤمن : جز فإن نورك أطفأ لهبي (٢) ، وعن جابر رضي الله عنه أيضا أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن ذلك فقال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال بعضهم لبعض : أليس وعدنا ربنا أنّا نرد النار؟ فيقال لهم : قد وردتموها وهي خامدة (٣) فلا ينافي قوله تعالى : (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٤). لأن المراد عن عذابها ، وعن مجاهد رضي الله عنه : ورود المؤمن النار هو مسّ الحمى جسده في الدنيا لقوله صلىاللهعليهوسلم : «الحمى من فيح جهنم» (٥). وهو محمول على أن المؤمن تكفّر ذنوبه في الدنيا بالحمى ونحوها لئلا يحسّ بألم النار عند ورودها لا أنه لا يراها في العقبى ، وقيل : المراد بالورود جثوهم حولها كما يشير إليه قوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (٦). هكذا ذكره صاحب الكشاف (٧) وهو من دسائس المعتزلة حيث أنكروا الصراط ، وإلا فليس في الآية دلالة على جثوهم حولها بل قوله : (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا). يدل على خلافه.
ثم من العقائد أن إنطاق الجوارح حق كما قال الله تعالى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨) ، وقال الله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) (٩) الآيتين ، وعند المعتزلة لا يجوز ذلك ، بل تلك الشهادة من الله تعالى في الحقيقة إلا أنه سبحانه أضافها إلى الجوارح ، توسعا قلنا : نحن نقول كذلك : لأنه سبحانه يظهر هذا على طريق خرق العادة ، كما خلق الكلام في
__________________
(١) أخرجه أحمد ٣ / ٣٢٩ من حديث جابر بن عبد الله وقال الحافظ ابن كثير في تفسره ٣ / ١٢٥ غريب لم يخرّجوه. ا. ه. وتتمته «ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا». وتصحّفت كلمة بردهم في الأصل إلى بردها وهذا تصحيف والصواب ما أثبتناه من المسند وتفسير ابن كثير.
(٢) تقدّم تخريجه فيما سبق.
(٣) لم أجده.
(٤) الأنبياء : ١٠١.
(٥) أخرجه البخاري ٣٢٦١ ، وابن أبي شيبة ٨ / ٨١ ، وأحمد ١ / ٢٩١ ، وأبو يعلى ٢٧٣٢ ، وابن حبّان ٢٠٦٨ ، والطبراني ١٢٩٦٧ ، والحاكم ٤ / ٤٠٣ ، وصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي و ٤ / ٢٠٠ من طريقين عن همام به. وكلهم من حديث ابن عباس.
(٦) مريم : ٧٢.
(٧) هو الإمام الزمخشري المعتزلي.
(٨) النور : ٢٤.
(٩) فصّلت : ٢٠.