لا تفنيان أبدا ولا تموت الحور العين أبدا ولا يفنى عقاب الله تعالى وثوابه سرمدا ....
____________________________________
الشجرة (١) ، أو يخلق فيها الفهم والقدرة على النطق ، وأما القول بأنه يظهر في تلك الأعضاء أحوال تدلّ على صدور تلك الأعمال ، وتلك الأمارات تسمى شهادات كما يشهد هذا العالم بتغيّرات أحواله على حدوثها كما قال القونوي فمردود بأنه موافق لمذهب المعتزلة ، مع أن حمل الآية على المجاز مع إمكان الحقيقة لا يجوز على أنه مخالف لظاهر النص وهو قوله تعالى : (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (٢). (لا تفنيان) أي ذواتهما وما فيهما من أهلهما (أبدا) وفي نسخة (ولا تموت الحور العين أبدا ولا يفنى عقاب الله ولا ثوابه سرمدا) ، وفي نسخة : ولا يفنى ثواب الله ولا عقابه سرمدا.
وقال الإمام الأعظم رحمهالله في كتابه الوصية : والجنة والنار حق وهما مخلوقتان ولا فناء لهما ولا لأهلهما لقوله تعالى في حق أهل الجنة : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وفي حق أهل النار : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ). خلقهما الله تعالى للثواب والعقاب ، وقال أيضا في الوصية : وأهل الجنة في الجنة خالدون ، وأهل النار في النار خالدون ، لقوله تعالى في حق المؤمنين : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣). وفي حق الكفار : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤) انتهى.
وذهب الجهمية وهم الجبرية الخالصة إلى أنهما تفنيان ويفنى أهلهما وهو باطل بلا
__________________
(١) قال القاضي ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية : ١ / ١٨٢ ـ ١٨٣ : وما أفسد استدلالهم بقوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) [القصص : ٣٠]. على أن الكلام خلقه الله تعالى في الشجرة ، فسمعه موسى منها! وعموا عما قبل هذه الكلمة وما بعدها فإن الله تعالى قال : (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ). والنداء : هو الكلام من بعد ، فسمع موسى عليهالسلام النداء من حافة الوادي ثم قال : (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) أي : أن النداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة كما تقول : سمعت كلام زيد من البيت ، يكون «من البيت» لابتداء الغاية ، لا أن البيت هو المتكلم ، ولو كان الكلام مخلوقا في الشجرة لكانت الشجرة هي القائلة : (يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [القصص : ٣٠] ، وهل قال : (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) غير ربّ العالمين؟ ولو كان هذا الكلام بدا من غير الله لكان قول فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] صدقا ، إذ كلّ من الكلامين عندهم مخلوق قد قاله غير الله! وقد فرّقوا بين الكلامين على أصلهم الفاسد : أن ذاك كلام خلقه الله في الشجرة ، وهذا كلام خلقه فرعون!! فحرّفوا وبدّلوا واعتقدوا خالقا غير الله. ا. ه.
(٢) فصّلت : ٢١.
(٣) هود : ٢٣.
(٤) يونس : ٢٧.