والله تعالى يهدي من يشاء فضلا منه ، ويضلّ من يشاء عدلا منه وإضلاله خذلانه ، وتفسير الخذلان أن لا يوفّق العبد إلى ما يرضاه منه وهو عدل منه ، وكذا عقوبة المخذول على المعصية. ولا يجوز أن نقول : إن الشيطان يسلب الإيمان من العبد المؤمن قهرا وجبرا ، ولكن نقول العبد يدع الإيمان فحينئذ يسلبه منه الشيطان ...
____________________________________
شبهة ، لأنه مخالف للكتاب والسّنّة وإجماع الأمة (والله تعالى يهدي من يشاء) أي إلى الإيمان والطاعة (فضلا منه) أي يجعله مظهر جماله ومحل ثوابه (ويضلّ من يشاء) أي بالكفر والمعصية (عدلا منه) أي يجعله مظهر جلاله وموضع عقابه ، ثم هدايته توفيقه وإحسانه ، وهذه جملة مطويّة معلومة القضية ، ولذا لم يتعرّض له الإمام واكتفى بذكر ما فيه من اختلاف بعض الأنام حيث قال (وإضلاله خذلانه) أي عدم نصرته في مقام تحقيقه ومرام تصديقه (وتفسير الخذلان أن لا يوفّق العبد) أي لا يحمله (إلى ما يرضاه عنه) أي على ما يحبه من الإيمان والإحسان ، ويكون سببا لرضى الربّ عن العبد (وهو) أي الخذلان وعدم رضاه عنه (عدل منه) إذ لا يجب عليه شيء لغيره ، وقد وضع الشيء في موضعه كما قال الله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (١). أي يوسع قلبه وينوّره للتوحيد وعلامته الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (٢).
(وكذا عقوبة المخذول على المعصية) أي عدل منه في نظر أرباب العقول وأصحاب النقول ، وفي المسألة خلاف المعتزلة (ولا نقول) وفي نسخة ولا يجوز أن نقول : (إن الشيطان يسلب الإيمان من العبد المؤمن قهرا وجبرا) أي لقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٣). أي حجة وتسلط على إغواء أحد من المخلصين (ولكن نقول العبد يدع الإيمان) أي بتركه باختياره واقتداره سواء يكون بسبب إغواء الشيطان ، أو هوى نفسه فإذا تركه (فحينئذ يسلبه منه الشيطان) أي يجعله تابعا له في الخذلان ، فيكون له عليه السلطان ، وهذا معنى قوله : (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤). وقوله تعالى : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (٥).
__________________
(١) الأنعام : ١٢٥.
(٢) الأنعام : ١٢٥.
(٣) الحجر : ٤٢.
(٤) الحجر : ٤٢.
(٥) الأعراف : ١٨.