____________________________________
أي أحيينا جميع الخلق. (فَلَمْ نُغادِرْ) أي لم نترك (مِنْهُمْ أَحَداً) (١). وقوله تعالى : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) (٢). أي جمعت وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). وقوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (٣). أي نعيد أول الخلق في الآخرة مثل الذي بدأناه في أول الخلق في الدنيا حين كونهما إيجادا عن العدم وقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (٤). أي للجزاء ففي هذه الآيات ردّ على الفلاسفة حيث أنكروا حشر الأجساد.
وقد ذكر الإمام الرازي على طريق إرخاء العنان مع الخصم في ميدان البيان حيث قال : فإنّا إذا آمنّا بالبعث وتأهبنا له ، فإن كان حقّا فقد نجونا وهلك المنكر ، وإن كان باطلا لا يضرّنا هذا الاعتقاد غاية ما في الباب أن تفوتنا هذه اللذّات الجسمانية ، والواجب على العاقل أن لا يبالي بفواتها لكونها في غاية الخساسة إذ هي مشتركة بين الخنافس والديدان والكلاب ، ولأنها منقطعة سريعة الزوال والفناء فثبت أن الاحتياط في الإيمان بالمعاد ، ولهذا قال الشاعر :
قال المنجم والطبيب كلاهما |
|
لن يحشر الأموات قلت إليكما |
إن صحّ قولكما فلست بخاسر |
|
أو صحّ قولي فالخسار عليكما |
انتهى كلامه. ونقل البيتان عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه ، ووجهه أنه من قبيل قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٥). لأن الاعتقاد بالمعاد على وجه الاحتياط صحيح في مقام الاعتماد ، لأن العلم اليقيني لا بدّ للمجتهد والحكم الجزمي للمقلّد من الأدلة اليقينية الحاصلة من الأدلة النقلية والعقلية ، كقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٦). ثم من المعقول في المسألة أن الحكمة تقتضي الفصل بين المحقّ والمبطل على وجه يضطر المبطل إلى معرفة حاله في البطلان لئلا يبقى له ريبة في
__________________
(١) الكهف : ٤٧.
(٢) التكوير : ٥.
(٣) الأنبياء : ١٠٤.
(٤) المؤمنون : ١٦.
(٥) سبأ : ٢٤.
(٦) الجاثية : ٢١.