____________________________________
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١). وقوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٢). فإن الأصل في وضع الفاء للتعقيب ، واختلف في أنه بالروح أو بالبدن ، أو بهما وهو الأصح منهما إلّا أنّا نؤمن بصحته ولا نشتغل بكيفيته ، واختلف في حقيقة الروح فقيل : إنه جسم لطيف شابك الجسد مشابكة الماء بالعود الأخضر ، أجرى الله تعالى العادة بأن يخلق الحياة ما استمرت هي في الجسد ، فإذا فارقته توفّت الموت الحياة ، وقالوا : الحياة للروح بمنزلة الشعاع للشمس ، فإن الله تعالى أجرى العادة بأن يخلق النور والضياء في العالم ما دامت الشمس طالعة ، كذلك يخلق الحياة للبدن ما دامت الروح فيه ثابتة ، وإلى هذا القول مال المشايخ الصوفية.
وقال جماعة من أهل السّنّة والجماعة : الروح جوهر سارية في البدن كسريان ماء الورد في الورد. انتهى ، وهو لا يغاير القول الأول إلا في اختلافهم أنه جوهر ، أو جسم لطيف ، والأخير هو الصحيح بدليل ما ورد من أن الروح إذا خرجت من الجسد ، وإذا دخلت وأمثال ذلك من العرج إلى عليّين ومن النزول إلى سجّين ، وهذا الكلام في تحقيق المرام ما ينافي قوله سبحانه : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٣). فإن الأمر كله لله تعالى ، أو لأن الروح خلق بالأمر التنجيزي كبعض المخلوقات ، وأكثر الكائنات خلقوا بالوصف التدريجي ، ولذا قال الله تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (٤) مع أن الكلام في جنسه على طريق الإجمال هو من العلم القليل استثنى الله تعالى بقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٥). على أن أولى الأقاويل وأقواها أن يفوّض علمه إلى الله تعالى ، وهو قول جمهور أهل السّنّة والجماعة.
وقال الإمام الأعظم رحمهالله في كتابه الوصية : نقرّ بالله تعالى يحيي هذه النفوس بعد الموت يبعثهم الله يوما كان مقداره خمسين ألف سنة للجزاء والثواب ، وأداء الحقوق لقوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٦). انتهى. وقوله تعالى : (وَحَشَرْناهُمْ)
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩.
(٢) نوح : ٢٥.
(٣) الإسراء : ٨٥.
(٤) الأعراف : ٥٤.
(٥) الإسراء : ٨٥.
(٦) الحج : ٧٠.