والقرآن منزّل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في المصاحف مكتوب وآيات القرآن في معنى الكلام كلها مستوية في الفضيلة والعظمة ، إلا أن لبعضها فضيلة الذكر ، وفضيلة المذكور مثل آية الكرسي لأن المذكور فيها جلال الله تعالى وعظمته وصفاته فاجتمعت فيها فضيلتان فضيلة الذكر وفضيلة المذكور ولبعضها فضيلة الذكر فحسب مثل قصة الكفار ، وليس للمذكور فيها فضل وهم الكفّار ، وكذلك الأسماء والصفات كلها مستوية في العظمة والفضل لا تفاوت بينهما .....
____________________________________
(والقرآن منزّل) بالتشديد أي نزل منجّما (على رسول الله صلىاللهعليهوسلم) أي في ثلاثة وعشرين عاما (وهو في المصاحف) أي في جنسه ، وفي نسخة في المصاحف (مكتوب) أي مزبور ومسطور وفيه إيماء إلى أن ما بين الدفّتين كلام الله تعالى على ما هو المشهور (وآيات القرآن) أي جميعها (في معنى الكلام كلها) أي في مقام المرام سواء يكون في رحمة الله ومدح أوليائه ، أو في غضب الله وذمّ أعدائه وسائر الأحكام المتعلقة بحكم ابتلائه (مستوية في الفضيلة) أي اللفظية (والعظمة) أي المعنوية (إلا أن لبعضها فضيلة الذكر) أي باعتبار مبناها (وفضيلة المذكور) أي باعتبار معناها (مثل آية الكرسي لأن المذكور فيها جلال الله) أي هيبته (وعظمته وصفاته) أي نعته الخاص بذاته (فاجتمعت فيها فضيلتان فضيلة الذكر وفضيلة المذكور) ومثلها سورة الإخلاص فإنها مختصّة بنعوت الاختصاص ، (وفي صفة الكفّار) أي كسورة «تبّت» ونحوها من أحوال الفجّار (فضيلة الذكر فحسب) بسكون السين أي فقط (وليس في المذكور وهم الكفار فضيلة) تأكيد لما قبله وتصريح بما علم ضمنا من مفهومه بما ورد في فضائل القرآن وسور منه وآيات منه محمول على ما ذكرنا جميعا بين اختلاف الروايات ، (وكذلك الأسماء) أي نحو : الله الأحد الصمد الملك الواحد الفرد (والصفات) أي نحو له الملك ، وله الحمد وله الكبرياء والمجد (كلها مستوية في العظمة) أي بحسب المبنى (والفضل) أي باعتبار المعنى (لا تفاوت بينهما) أي من حيث إطلاقها على ذاته وصفاته كليهما ، وهو لا ينافي أن يكون بعض الأسماء وبعض الصفات أعظم من بعضها على ما ثبت في الأحاديث الواردة في فضل الاسم الأعظم والله تعالى أعلم.
وقد روى الحاكم الشهيد (١) في المنتفى عن أبي حنيفة رحمهالله أنه قال : لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السموات والأرض وخلق نفسه ، وعنه رحمه
__________________
(١) هو محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن إسماعيل المروزي الشهير بالحاكم الشهيد من أكابر فقهاء الحنفية ، توفي شهيدا سنة ٣٣٤ ه. من تصانيفه الكافي في الفروع والمنتقى في الفروع.