____________________________________
الله أيضا أنه قال : لو لم يبعث الله رسولا لوجب على الخلق معرفته بعقولهم ، فالفرق بيننا وبين المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليين ما ذكره الأستاذ أبو منصور الماتريدي وعامّة مشايخ سمرقند رحمهمالله تعالى : أن العقل عندهم إذا أدرك الحسن والقبح يوجب بنفسه على الله وعلى العباد مقتضاهما ، وعندنا الموجب هو الله تعالى يوجبه على عباده ، ولا يجب عليه سبحانه شيء باتفاق أهل السّنّة والجماعة.
والعقل عندنا آلة يعرف بها ذلك الحكم بواسطة اطّلاع الله تعالى على الحسن والقبح الكائنين في الفعل ، والفرق بيننا وبين الأشاعرة أنهم قائلون بأنه لا يعرف حكم من أحكام الله إلا بعد بعثة نبي ، ونحن نقول : قد يعرف بعض الأحكام قبل البعثة بخلق الله تعالى العلم به إما بلا كسب كوجوب تصديق النبي وحرمة الكذب الضارّ ، وإما مع كسب بالنظر والفكر وقد لا يعرف إلا بالكتاب والنبي عليهالسلام كأكثر الأحكام ، وقال أئمة بخارى : عندنا لا يجب إيمان ، ولا يحرم كفر قبل البعثة كقول الأشاعرة وحملوا المرويّ عن أبي حنيفة رحمهالله على ما بعد البعثة.
قال ابن الهمام : وهذا الحمل ممكن في العبارة الأولى دون الثانية ، إلا أنه قدر في تحريره (١) أنه يجب حمل الوجوب في قوله لوجب عليهم معرفة الله بعقولهم على معنى ينبغي فحمل الوجوب على المعنى العرفي ، وهو الأليق والأولى ، لأن تسمية الأفعال طاعة ومعصية قبل البعثة تجوّز إذ هما فرع الأمر والنهي فإطلاق الطاعة والمعصية قبل ورود أمر ونهي مجاز من قبيل إطلاق الشيء على ما يؤول إليه ، فكيف يتحقّق طاعة أو معصية قبل ورود أمر ونهي.
قال ابن الهمام : بل يجوز العقل بذكر اسمه شكرا فلولا أنه سبحانه أطلق بفضله ذكر اسمه سمعا ووعد عليه أجرا حيث قال سبحانه : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (٢). ونحوه لخاف من اتّضح لعقله عظمة كبريائه وجلاله من أن يسمّيه تعالى بلسانه في جميع أحواله إذ يرى أنه أحقر من ذلك ، فسبحان من تقرّب إلى خلقه بفضله وعظيم برّه. انتهى.
__________________
(١) هو التحرير للكمال ابن الهمام شرحه تلميذه محمد بن محمد بن أمير الحاج الحلبي المتوفّى سنة ٨٧٩ ه في كتاب اسمه التقرير والتحبير ، كما شرحه محمد أمين ، أمير بادشاه في كتاب اسمه تيسير التحرير في أربعة أجزاء.
(٢) البقرة : ١٥٢.