____________________________________
وقد يجمع بين القولين بأنه لا يلزم من الوجوب ما يترتب على تركه العقاب فلا ينافي قوله تعالى في الكتاب : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١). ولا يحتاج حينئذ إلى تقييد العذاب بالدنيا ، ولا إلى تعميم الرسول للعقل والنقل.
قال ابن الهمام : وثمرة هذا الخلاف تظهر فيمن لم تبلغه دعوة رسول فلم يؤمن حتى مات فهو مخلد في النار عند المعتزلة ، والفريق الأول من الحنفية دون الفريق الثاني منهم. والأشاعرة وإذا لم يكن مخاطبا بالإسلام عند هؤلاء فأسلم أي وحّد هل يصلح إسلامه؟ بأنه يثاب في الآخرة عند الحنفية ، نعم كاسلام الصبي الذي يعقل معنى الإسلام والتكليف ، وذكر بعض المشايخ الحنفية أنه سمع أبا الخطاب من المشايخ الشافعية يقول : لا يصحّ إيمان من لم تبلغه دعوة كإيمان الصبي عندهم أي على القول المرجح من مذهبهم. خلافا للأئمة الثلاثة لأن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا عليّا إلى الإسلام (٢) ، فأجابه مع الإجماع على أن عباداته من صلاة وصوم ونحوهما صحيحة ، وأما ما نقله البيهقي من أن الأحكام إنما علقت بالبلوغ بعد الهجرة عام الخندق ، وأما قبل ذلك فكانت منوطة بالتمييز فيحتاج إلى بيان ذلك وكيفية وقوعه هنالك على أن أمور الإسلام في تكاليف الأحكام كانت تدريجية من الأهون إلى الأصعب لا بالعكس ، ولذا كان التكليف أولا بالتوحيد ثم زيد الصلاة والزكاة ونحوهما كما هو مقتضى حكمة الحكيم المجيد.
ثم من فروع هذا الأصل ما ذكره حجة الإسلام (٣) حيث قال : يجوز لله أن يكلّف عباده ما لا يطيقونه خلافا للمعتزلة إذ لو لم يجز لاستحال سؤال دفعه ، وقد سألوا ذلك فقالوا : ربّنا لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ، ولأنه سبحانه أخبر أن أبا جهل لا يصدقه عليه الصلاة والسلام ، ثم أمره أن يصدق بجميع أقواله عليه الصلاة والسلام ، ومن جملتها أنه لا يصدقه عليه الصلاة والسلام ، فكيف يصدقه عليه الصلاة والسلام في أنه لا يصدقه هذا محال. انتهى.
وذكره غيره إلا أنه قال أبو لهب (٤) بدل أبي جهل ، وهو أنسب.
__________________
(١) الإسراء : ١٥.
(٢) انظر خبر إسلام علي رضي الله عنه ودعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم له في مجمع الزوائد ٩ / ١٠١ ـ ١٠٣.
وانظر السيرة النبوية لابن هشام ١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
(٣) يعني بذلك الإمام الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ ه رحمهالله.
(٤) يشير المصنّف بذلك إلى ما رواه البخاري ٤٩٧١ و ١٣٩٤ و ٣٥٢٥ ، ومسلم ٢٠٨ ، والترمذي