____________________________________
شارح تصدّر لهذا الميدان لكونه ظاهرا في معرض البيان ، ولا يحتاج إلى ذكره لعلوّه صلىاللهعليهوسلم في هذا الشأن ، ولعل مرام الإمام على تقدير صحة ورود هذا الكلام أنه صلىاللهعليهوسلم من حيث كونه نبيّا من الأنبياء عليهمالسلام ، وهم كلهم معصومون عن الكفر في الابتداء والانتهاء نعتقد أنه مات على الإيمان ، وأما غيره من الأولياء والعلماء والأصفياء بالأعيان فلا نجزم بموتهم على الإيمان ، وإن ظهر منهم خوارق العادات وكمال الحالات ، وجمال أنواع الطاعات فإن مبنى أمره على العيان وهو مستور عن أفراد الإنسان ، ولهذا كانت العشرة المبشّرة (١) وأمثالهم خائفين من انقلاب أحوالهم وسوء آمالهم في مآلهم.
واعلم أن للسلف رحمهمالله في الشهادة بالجنة ثلاثة أقوال :
أحدها : أن لا يشهد لأحد إلا للأنبياء عليهمالسلام ، وهذا ينقل عن محمد بن الحنفية والأوزاعي ، وهذا أمر قطعي لا نزاع فيه.
والثاني : أن يشهد لكل مؤمن جاء نص في حقه ، وهذا قول كثير من العلماء لكنه حكم ظنّيّ.
والثالث : أن يشهد أيضا لمن شهد له المؤمنون كما في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام مرّ بجنازة فأثنوا عليها بخير ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وجبت» ، ومرّ بأخرى فأثنى عليها بشرّ فقال عليه الصلاة والسلام : «وجبت». فقال عمر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله ما وجبت؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هذا أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرّا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض» (٢). وهذا أمر ظاهري غالبي ، والله تعالى أعلم بالصواب (٣).
__________________
(١) وهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة بن عبيد الله التميمي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، والزبير بن العوام. انظر مسند أحمد ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨ و ١٨٩ و ١٩٣ ، وسنن أبي داود ٤٦٤٩ و ٤٦٥٠ ، والترمذي ٣٧٤٨ و ٣٧٥٨ ، وابن ماجة ١٣٤.
(٢) أخرجه البخاري ١٣٦٧ و ٢٦٤٢ ، ومسلم ٩٤٩ ، وأخرجه الطيالسي ٢٠٦٢ ، والنسائي ٤ / ٤٩ ـ ٥٠ ، وأحمد ٣ / ١٨٦ ، والطحاوي في مشكل الآثار ٤ / ٢٨٩ من حديث أنس بن مالك.
ورواه من حديث أنس بن مالك دون ذكر لعمر رضي الله عنه ، مسلم ٩٤٩ ، والترمذي ١٠٥٨ ، وابن ماجة ١٤٩١ ، والبغوي ١٥٠٨ ، والطحاوي ٤ / ٢٨٨.
(٣) أقوال السلف في الشهادة بالجنة أخذها المصنّف من شرح الطحاوية لابن أبي العز ٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ بشيء من التصرّف.