____________________________________
رضاء ، ولا يبعد أن يقال : الأتم هو أن يجمع بينهما بأن يدعو باللسان ، ويكون حامدا في الجنان تحت الجريان بحكم الحنّان المنّان ، وقيل : الأولى أن يقال إن الأوقات مختلفة ففي بعضها الدعاء أفضل ، وفي بعضها السكوت أفضل ، والفاصل بينهما الإشارة فمن وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء فهو وقته كما ورد من فتح له أبواب الدعاء فتحت له أبواب الإجابة ، أو الرحمة ، أو الجنة روايات ، ومن وجد في قلبه إشارة إلى السكوت فهو وقته كما جاء عن إبراهيم عليهالسلام لمّا قال له جبريل عليهالسلام : ألك حاجة؟ قال : أما إليك فلا ، قال : فسل ربّك ، قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، فلم يحترق منه إلّا وثاقه ببركة هذا القول ، وكان في النار سبعة أيام ، وقيل أربعين يوما. وهو ابن ستة عشر سنة حين ألقي في النار ، ويجوز أن يقال : ما كان للعباد فيه نصيب ، أو لله تعالى فيه حق. فالدعاء به أولى ، وما كان فيه حظّ نفس للداعي فالسكوت عنه أولى ، وهذا أعلى وأغلى.
وقال شارح عقيدة الطحاوي : اتفق أهل السّنّة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين أحدهما ما تسبّب فيه (١) الميت في حياته ، والثاني : دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والحج على نزاع فيما يصل من ثواب الحج ، فعن محمد بن الحسن رحمهالله : إنه إنما يصل إلى الميت ثواب النفقة والحج للحاج ، وعند عامّة العلماء ثواب الحج للمحجوج عنه وهو الصحيح ، واختلف في العبادات البدنية كالصوم وقراءة القرآن والذكر.
فذهب أبو حنيفة رحمهالله وأحمد وجمهور السّلف رحمهمالله إلى وصولها ، والمشهور من مذهب الشافعي رحمهالله ومالك عدم وصولها ، وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء البتّة لا الدعاء ولا غيره ، وقوله (٢) : مردود بالكتاب والسّنّة ، واستدلاله بقوله سبحانه : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣). مدفوع بأنه لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره ، وإنما نفي ملكه بغير سعيه وبين الأمرين فرق بيّن ، فأخبر الله تعالى أنه لا يملك إلا سعيه وما سعى غيره ، فهو ملك لساعيه ، فإن شاء أن يبذله لغيره ، وإن شاء أن يبقيه لنفسه وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى ، ومن الأدلة
__________________
(١) في شرح الطحاوية : إليه.
(٢) في شرح الطحاوية : وقولهم.
(٣) النجم : ٣٩ : وانتهى كلام شارح الطحاوية ٢ / ٦٦٤.