____________________________________
وفي القنية : رجل عليه ديون لأناس لا يعرفهم من غصوب أو مظالم ، أو جنايات يتصدّق بقدرها على الفقراء على عزيمة القضاء إن وجدهم مع التوبة إلى الله ولو صرف ذلك المال إلى الوالدين والمولودين أي الفقراء يصير معذورا ، وفيها أيضا عليه ديون لأناس شتّى كزيادة في الأخذ ونقص في الدفع فلو تحرّى في ذلك وتصدّق بثوب قوم بذلك يخرج عن العهدة ، قال : فعرف بهذا أن في هذا لا يشترط التصدّق بجنس ما عليه ، وفي فتاوى قاضي خان : رجل له حق على خصم فمات ولا وارث له تصدّق عن صاحب الحق بقدر ماله عليه ليكون وديعة عند الله يوصلها إلى خصمائه يوم القيامة ، وإذا غضب مسلم من ذميّ مالا أو سرق منه فإنه يعاقب به يوم القيامة لأن الذميّ لا يرجى منه العفو ، فكانت خصومة الذميّ أشد ثم هل يكفيه أن يقول لك على دين فاجعلني في حلّ أم لا بدّ أن يعيّن مقداره ، ففي النوازل رجل له على آخر دين وهو لا يعلم بجميع ذلك فقال له المديون : أبرأني مما لك عليّ فقال الدائن : أبرأتك. قال نصير رحمهالله : لا يبرأ إلا عن مقدار ما يتوهّم أي يظن أنه عليه ، وقال محمد بن سلمة رحمهالله عن الكل ، قال الفقيه أبو الليث : حكم القضاء ما قاله محمد بن سلمة وحكم الآخرة ما قاله نصير ، وفي القنية من عليه حقوق فاستحلّ صاحبها ولم يفصلها فجعله في حلّ يعذر أن علم أنه لو فصله يجعله في حلّ ؛ وإلا فلا ، قال بعضهم : إنه حسن وإن روي أنه يصير في حلّ مطلقا.
وفي الخلاصة (١) : رجل قال لآخر : حلّلني من كل حق هو لك ، ففعل فأبرأه إن كان صاحب الحق عالما به برئ حكما بالإجماع ، وإما ديانة فعند محمد رحمهالله لا يبرأ وعند أبي يوسف يبرأ وعليه الفتوى. انتهى. وفيه أن خلاف ما اختاره أبو الليث ، ولعل قوله مبني على التقوى ، وأما إن كانت المظالم في الأعراض كالقذف والغيبة فيجب في التوبة فيها مع ما قدّمناه في حقوق الله أن يخبر أصحابها بما قال من ذلك ويتحلّل منهم ، فإن تعذّر ذلك فليعزم على أنه متى وجدهم تحلّل منهم فإذا حلّلوه سقط عنه ما وجب عليه لهم من الحق ، فإن عجز عن ذلك كله بأن كان صاحب الغيبة ميتا أو غائبا مثلا فليستغفر الله ، والمرجو من فضله وكرمه أن يرضي خصماءه من خزائن إحسانه فإنه جواد كريم رءوف رحيم.
__________________
(١) الخلاصة : هي خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل للشيخ علي بن أحمد الرازي ، شرح فيه كتاب القدوري وهو شرح مفيد مختصر ، توفي سنة ٥٩٨ ه.