____________________________________
عليه بأن النادم على فعل في الماضي قد يريده في الحال ، أو الاستقبال ، فهذا القيد احتراز منه وما ورد في الحديث محمول على الندم الكامل وهو أن يكون مع العزم على عدم العود أبدا ورد بأن الندم على المعصية من حيث هي معصية يستلزم ذلك العزم كما لا يخفى. انتهى.
ولا يخفى أن هذا الاستلزام ممنوع عقلا ونقلا على ما صرّح به علماء الأنام حيث صرّحوا بأن التوبة عن معصية دون أخرى صحيحة عند أهل السّنّة خلافا للمعتزلة ، وأيضا قد نصّوا على أن أركان التوبة ثلاثة : الندامة على الماضي ، والإقلاع في الحال ، والعزم على عدم العود في الاستقبال ، فالأولى أن يقال : معنى الندم توبة أنه عمدة أركانها كقوله عليه الصلاة والسلام : «الحج عرفة» (١). ثم هذا إن كانت التوبة فيما بينه وبين الله كشرب الخمر ، وإن كانت عمّا فرط فيه من حقوق الله كصلاة وصيام وزكاة فتوبته أن يندم على تفريطه أولا ، ثم يعزم على أن لا يعود أبدا ولو بتأخير صلاة عن وقتها ثم يقضي ما فاته جميعا ، وإن كانت عما يتعلق بالعباد فإن كانت من مظالم الأموال فتتوقف صحة التوبة منها مع ما قدّمناه في حقوق الله تعالى على الخروج عن عهدة الأموال وإرضاء الخصم في الحال والاستقبال بأن يتحلّل منهم ، أو يردّها إليهم أو إلى من يقوم مقامهم من وكيل ، أو وارث هذا.
__________________
ـ هذا من مناكير يحيى ، والبزار ٣٢٣٩ ، وقال الهيثمي في المجمع ١٠ / ١٩٩ : رواه البزار عن شيخه عمرو بن مالك الرواسي ، وضعّفه غير واحد ، ووثّقه ابن حبان وقال : يغرب ويخطئ ، وباقي رجاله رجال الصحيح وهذا حديث على ضعفه شاهد لحديث ابن مسعود المتقدّم.
وعن عائشة عند أحمد ٦ / ٢٦٤ ولفظه : «فإن التوبة من الذنب الندم والاستغفار» وإسناده صحيح ، وعن وائل بن حجر عند الطبراني ٢٢ / ٤١ وفي سنده إسماعيل بن عمرو البجلي. وعن أبي سعد الأنصاري عند الطبراني ٢٢ / ٣٠٦ ، وأبي نعيم ١٠ / ٣٩٨ ، وابن مندة في المعرفة ٢ / ١٤٥ / ١ قال الهيثمي في المجمع ١٠ / ١٩٩ : وفيه من لم أعرفه.
وعن أبي هريرة عند الطبراني في الصغير ١ / ٦٩ ، وانظر مجمع الزوائد ١٠ / ١٩٨ ـ ١٩٩.
والخلاصة : أن هذه الطرق المتعددة للحديث يقوّي بعضها بعضا فيصبح جيدا بشواهده والله أعلم.
(١) هو بعض حديث أخرجه أبو داود ١٩٤٩ ، والترمذي ٨٩٠ و ٩٨٩ ، والنسائي ٥ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، وابن ماجة ٣٠١٥ ، وأحمد ٤ / ٣٠٩ و ٣١٠ ، والطيالسي ١٣٠٩ ، والدارمي ٢ / ٥٩ ، والبيهقي ٥٦ / ١١٦ ، والبخاري تعليقا في التاريخ الكبير ٥ / ٢٤٣ ، والدارقطني ٢٨٢٢ ، والطحاوي ٢ / ٢١٠ ، وابن خزيمة ٢٨٢٢ ، وابن حبّان ٣٨٩٢ ، وصححه الحاكم ٢ / ٢٧٨ ، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلمي.