____________________________________
سبحانه : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) ، وقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٢). وإما أن يضاف إلى السبب كقوله تعالى : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) (٣). وإما أن يحذف فاعله كقوله تعالى : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (٤) ، فإن قيل : كيف وجه الجمع بين قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٥) وبين قوله تعالى : (فَمِنْ نَفْسِكَ) (٦) أجيب بأن الخصب والجدب والنصرة والهزيمة كلها من عند الله (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) (٧) أي محنة وبليّة فبذنب نفسك عقوبة لك وكفّارة لك ، كما قال الله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٨) وهذا على المعنى الأول الذي هو المعوّل ، وأما على المعنى الثاني فالطاعة تنسب إلى الله تعالى ، لأنها محض خير ، والسيئة لا تنسب إلى الله تأدّبا لكونها في صورة الشرّ والكل من عند الله خلقا فخلق الطاعة فضل وخلق المعصية عدل : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٩). ثم في قوله تعالى : (فَمِنْ نَفْسِكَ) من الفوائد أن العبد لا يطمئن إلى نفسه ولا يسكن إليها فإن الشرّ كائن فيها لا يجيء إلا منها ولا يشتغل بكلام الناس ولا ذمّهم إذا أساءوا إليه ، فإن ذلك من السيئات التي أصابته وهي إنما أصابته بذنوبه فيرجع إلى الله ويستعيذ بالله من شرّ نفسه وسيئات عمله ، ويسأل الله أن يعينه على طاعته فبذلك يحصل له كل خير ويندفع عنه كل شرّ ، ولهذا كان أنفع الدعاء طلب الهداية فإنها الإعانة على الطاعة وترك المعصية.
هذا وقد قيل : كل عام يخص كما خصّ قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠) بما شاءه ليخرج ذاته وصفاته وما لم يشأ من مخلوقاته وما يكون من المحال وقوعه في كائناته.
__________________
(١) الزّمر : ٦٢.
(٢) النساء : ٧٨.
(٣) الفلق : ٢.
(٤) الجن : ١٠.
(٥) النساء : ٧٨.
(٦) النساء : ٧٨.
(٧) النساء : ٧٩.
(٨) الشورى : ٣٠.
(٩) الأنبياء : ٢٣.
(١٠) البقرة : ٢٨٤.