____________________________________
فلا حجة لنا ولا علينا ، وقيل : الحسنة الطاعة ، والسيئة المعصية ، ومع هذا فليس للقدرية أن يحتجّوا بقوله تعالى : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (١). فإنهم يقولون إن فعل العبد حسنة كانت أو سيئة فهو من الله ، والقرآن قد فرّق بينهما ، وهم لا يفرّقون ، ولأنه سبحانه قال : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٢) فجعل الحسنات من عند الله كما جعل السيئات من عند الله ، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال ، بل في الجزاء وأما على المعنى الأول ففرّق سبحانه بين الحسنات التي هي النّعم وبين السيئات التي هي المصائب والنقم ، فجعل هذه من الله وهذه من نفس الإنسان لأن الحسنة مضافة إلى الله إذ هو أحسن بها من كل وجه ، وأما السيئة فهو إنما يخلقها لحكمة وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه ، فإن الربّ سبحانه لا يفعل سيئة قطّ ، بل فعله كله حسن وخير ، وبهذا ورد حديث «الخير كله بيديك ، والشر ليس إليك» (٣) أي فإنك لا تخلق شرّا محضا ، بل كل ما تخلقه ففيه حكمة باعتبارها يكون خيرا ، ولكن قد يكون شرّا لبعض الناس فهذا شرّ جزئي إضافي فإما شرّ كلّي أو شرّ مطلق ، فالرب تعالى منزّه عن ذلك ومن هاهنا قال أبو مدين المغربي (٤) :
لا تنكر الباطل في طوره |
|
فإنه بعض ظهوراته (٥) |
ولهذا لا يضاف الشرّ إليه مفردا قطّ ، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات كقوله
__________________
(١) النساء : ٧٩.
(٢) النساء : ٧٨.
(٣) أخرجه أحمد ٥ / ١٩١ والطبراني في الكبير ٤٨٠٣ و ٤٩٣٢ من حديث زيد بن ثابت ولفظه : «من قال حين يصبح لبّيك اللهمّ لبّيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك ...». قال الهيثمي في المجمع ١٠ / ١١٣ : رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثّقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف. ا. ه.
(٤) أبو مدين شعيب بن حسين الأنصاري أصله من «حصن قطنيانة» قرية تابعة لإشبيلية بالأندلس ، هاجر إلى بجاية صغيرا ، وعاش فيها ، وتوفي في «العباد» خارج تلمسان عام ٥٩٤ ه وقيل قبل ذلك.
(٥) عزاه البرهان البقاعي في تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ص ٢٤٥ إلى ابن عربي وقال : فقد أفاد هذا أنهم ـ أي الصوفية ـ يعتقدون أن الباطل هو الله ، ولو لم يكن في هذا إلا أنه يدعو إلى البطالة والخلاعة والضلالة لكان كافيا في استهجانه ومنابذته للدين. وقد نقل شيخنا حافظ العصر ابن حجر في لسان الميزان أنه كان لهذا الناظم ـ أي ابن عربي ـ جوار في البهنسة موظفات للغناء ، والضرب بآلات الملاهي ، وكلما ماتت واحدة منهنّ اشترى بدلها أخرى ، وكان يذهب إليهنّ في بعض الأوقات ، فيسمعهنّ ويرقص على غنائهنّ ويرجع». ا. ه.