وهي
____________________________________
رأي المعتزلة ، وإلا [كان] (١) جبرا محضا فيبطل الأمر والنهي ، فالجواب أن الحركة مثلا كما أنها وصف للعباد ومخلوق للرب لها نسبة إلى قدرة العبد فسميت تلك الحركة باعتبار تلك النسبة كسبا بمعنى أنها مكسوبة للعبد ، ولم يلزم الجبر المحض إذ كانت متعلق قدرة العبد داخلة في اختياره ، وهذا التعلّق هو المسمى عندنا بالكسب. انتهى ...
وأما ما سبق من استحالة اجتماع مؤثّرين على أثر واحد فالجواب عنه أن دخول مقدور تحت قدرتين إحداهما قدرة الاختراع ، والأخرى قدرة الاكتساب جائز ، وإنما المحال اجتماع مؤثّرين مستقلين على أثر واحد ، وفي شرح العقائد تعريف القدرة الحادثة في العبد بأنها صفة يخلقها الله تعالى في العبد عند قصده اكتساب الفعل مع سلامة الأسباب والآلات ، وبهذا يظهر أن مناط التكليف بعد خلق الاختيار للعبد هو قصده الفعل قصدا مصمّما طاعة كان أو معصية ، وإن لم تؤثر قدرته في وجود الفعل المانع هو تعلّق قدرة الله التي لا يقاومها شيء في إيجاد ذلك ، ومن هنا قال ابن الهمام رحمهالله : إن لزوم الجبر يندفع بتخصيص النصوص بإخراج فعل واحد قلبي وهو العزم المصمم ، لكن فيه أن ذلك العزم المصمّم داخل تحت الحكم المعمّم والله سبحانه أعلم ثم ما اختاره هو قول الباقلاني (٢) رحمهالله من أئمة أهل السّنّة أن قدرة الله تعالى تتعلق بأصل الفعل وقدرة العبد تتعلق بوصفه من كونه طاعة أو معصية ، فمتعلق تأثير القدرتين مختلف كما في لطم اليتيم تأديبا وإيذاء ، فإذ ذات اللطم واقعة بقدرة الله تعالى وتأثيره وكونه طاعة على الأول ومعصية على الثاني بقدرة العبد وتأثيره لتعلّق ذلك بعزمه المصمم.
ولقد أنصف الإمام الرازي في تفسيره الكبير حيث قال : الإنسان مجبور في صورة مختار ، وهو أنهى ما يمكن أن ينتهي إليه فهم البشر ، قلت : وذلك لوقوع فعل العبد على وفق اختياره من غير تأثير لقدرته المقارنة له ويؤيده قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣). ولذا قال بعض العارفين : لا تختر فإن كنت لا بدّ أن تختار اختر أن لا تختار (وهي) أي أفعال العباد
__________________
(١) تصحيف في الأصل والصواب [كان].
(٢) هو محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم البصري القاضي أبو بكر الباقلاني المتكلم الأشعري سكن بغداد وتوفي بها سنة ٣٠٤ ه ، من تصانيفه إعجاز القرآن.
(٣) القصص : ٦٨.