____________________________________
الخير ، والثاني الشيطان ، وهو فاعل الشر ، قال : ولذا بالغ مشايخ ما وراء النهر مبالغة كبيرة في تضليل المعتزلة حتى قالوا : إنهم أقبح من المجوس حيث لم يثبتوا إلا شريكا واحدا ، المعتزلة أثبتوا شركاء لا تحصى ، ولكن المحققين على أن المعتزلة من طوائف الإسلام ، وحملوا ما ذكر على الزجر للأنام لأنهم لم يجعلوا العبد خالقا بالاستقلال ، بل يقولون بأنه سبحانه خالق بالذات والعبد خالق بواسطة الأسباب والآلات التي خلقها الله تعالى في العبد ، ولم يثبتوا الإشراك بالحقيقة وهو إثبات الشريك في الألوهية كالمجوس ، ولا بمعنى استحقاق العبادة كعبدة الأصنام.
وأما قول المعتزلة : لو كان الله خالقا لأفعال العباد لكان هو القائم والقاعد والآكل والشارب والزاني والسارق ، وهذا جهل عظيم مدفوع بأن المتّصف بالشيء من قام به ذلك الشيء لا من أوجده إذ لا يرون أن الله تعالى هو الخالق للسواد والبياض وسائر الصفات في الأجسام فالإيجاد هو فعل الله والموجود وهو الحركة فعل العبد ، وهو موصوف به حتى يشتق له منه اسم المتحرك ولا يتّصف الله بذلك ، وأما قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١). بصيغة الجمع وقوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (٢) بإضافة الخلق إلى عيسى فجوابه أن الخلق هاهنا بمعنى : التقدير والتصوير ، فإن العبد بقدر طاق البشرية له بعض التدبير إن وافق التقدير ، ثم اعلم أن تحقيق المرام ما ذكره ابن الهمام في هذا المقام حيث قال : فإن قيل : لا شك أنه تعالى خلق للعبد قدرة على الأفعال ، ولذا ندرك تفرقة بين الحركة المقدورة وهي الاختيارية ، وبين الرعدة الضرورية والقدرة ليست خاصيتها إلا التأثير أي إيجاد المقدور فإن القدرة صفة تؤثّر على وفق الإرادة ويستحيل اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد فوجب تخصيص عمومات النصوص السابقة بما سوى أفعال العباد الاختيارية فيكونون مستقلين بإيجاد أفعالهم الاختيارية بقدرتهم الحادثة بخلق الله تعالى كما هو
__________________
ـ وقوله : مجوس هذه الأمة : قال ابن الأثير : قيل إنما جعلهم مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس في قولهم بالأصلين ، وهما النور والظلمة ، ويزعمون أن الخير من فعل النور ، والشر من فعل الظلمة ، وكذا القدرية يضيفون الخير إلى الله والشرّ إلى الإنسان والشيطان ؛ والله تعالى خالقهما معا لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقا وإيجادا ، وإلى الفاعلين لهما عملا واكتسابا.
(١) المؤمنون : ١٤.
(٢) المائدة : ١١٠.