قلنا : لأنّ سير القمر أسرع ، فإنّه يقطع فلكه في شهر ، والشمس لا تقطع فلكها إلّا في سنة ، فكانت الشمس جديرة بأن توصف بنفي الإدراك لبطء سيرها ، والقمر خليقا بأن يوصف بالسّبق لسرعة سيره ؛ هذا سؤال الزّمخشري رحمهالله وجوابه. ويردّ عليه أن سرعة سير القمر يناسب أن ينفى الإدراك عنه ، لأنّه إذا قيل لا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس مع سرعة سيره ، علم بالطريق الأولى أنّ الشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر مع بطء سيرها : فإذا قيل : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر أمكن أن يقال إنّما لم تدركه لبطء سيرها ، فأمّا القمر فيجوز أن يدركها لسرعة سيره.
فإن قيل : لم قال الله تعالى (وَآيَةٌ لَهُمْ) [الآية ٤١] ، أي لأهل مكّة ، (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ (٤١)) أي ذرّيّة أهل مكّة ، أو ذرّيّة قوم نوح (ع) (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الآية ٤١] ، والذّرّية اسم للأولاد ، والمحمول في سفينة نوح (ع) آباء أهل مكّة ، لا أولادهم؟
قلنا : الذّريّة من أسماء الأضداد تطلق على الآباء والأولاد بدليل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران]. وصف جميع المذكورين بكونهم ذرّية وبعضهم آباء وبعضهم أبناء ، فمعناه حملنا آباء أهل مكّة ، أو حملنا أبناءهم ، لأنهم كانوا في ظهور آبائهم المحمولين.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨)) يعنون الوعد بالبعث والجزاء ، والوعد كان واقعا لا منتظرا؟
قلنا : معناه إنجاز هذا الوعد وصدقه ، بحذف المضاف أو بإطلاق اسم الوعد على الموعود ، كضرب الأمير ونسيج اليمن.
فان قيل : قولهم ، كما ورد في التنزيل : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) [الآية ٥٢] ، سؤال عن الباعث ، فكيف طابقه ما بعده جوابا.
قلنا : معناه بعثكم الرّحمن الّذي وعدكم البعث ، وأنبأكم به الرّسل ، إلا أنه جيء به على هذه الطريقة ، تبكيتا لهم وتوبيخا.