ونحن على جوانبها قعود نغضّ الطّرف كالإبل القماح وقال قوم : المقمح : الرافع رأسه متعمّدا. فكأنّ هؤلاء المذمومين شبّهوا على المبالغة في وصف تكارههم للإيمان ، وتضايق صدورهم لسماع القرآن ، بقوم عوقبوا فجذبت أذقانهم بالأغلال إلى صدورهم مضمومة إليها أيمانهم ، ثمّ رفعت رؤوسهم ، ليكون ذلك أشدّ لإيلامهم ، وأبلغ في عذابهم.
وقيل : إنّ المقمح الغاضّ بصره بعد رفع رأسه ، فكأنّه جامع بين الصّفتين جميعا.
وقيل : إنّ قوله تعالى : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) يعني به أيمانهم المجموعة بالأغلال إلى أعناقهم ، فاكتفي بذكر الأعناق من الأيمان ، لأن الأغلال تجمع بين الأيمان والأعناق.
وكذلك معنى السّدّ المجعول بين أيديهم ومن خلفهم ، إنّما هو تشبيه بمن قصر خطوه وأخذت عليه طرقه. ولما كان ما يصيبهم من هذه المشاقّ المذكورة والأحوال المذمومة ، إنّما هو عقيب تلاوة القرآن عليهم ، ونفث قوارعه في أسماعهم ، حسن أن يضيف سبحانه ذلك إلى نفسه ، فيقول : إنّا جعلناهم على تلك الصفات.
وقد قرئ «سدّا» بالفتح ، و «سدّا» بالضم. وقيل إن السّدّ بالفتح ما يصنعه الناس ، والسّدّ بالضمّ ما يصنعه الله تعالى.
وقال بعضهم : المراد بذكر السّدّ هاهنا : الإخبار عن خذلان الله سبحانه إيّاهم ، وتركه نصرهم ومعونتهم ، كما تقول العرب في صفة الضّالّ المتحيّر : فلان لا ينفذ في طريق يسلكه ، ولا يعلم أمامه أم وراءه خير له. وعلى ذلك قول الشاعر :
فأصبح لا يدري وإن كان حازما |
|
أقدّامه خير له أم وراءه |
وأمّا قوله سبحانه : (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [الآية ٩] ، فهو أيضا في معنى الختم والطّبع ، وواقع على الوجه الّذي يقعان عليه. وقد تقدّم إيماؤنا إليه.
__________________
ـ صفحة ١٠٣ ، ٢٦٩ فجاء بغير ذلك. والصواب بالحاء المعجمة والزّاي. وله ترجمة في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص ٢٢٧ ، والخزانة ج ٢ ص ٢٦١ ـ ٢٦٤ ، ومختارات ابن الشجري ج ٢ ص ١٩ ـ ٣٣ ، والمفضّليّات بتحقيق الأستاذين أحمد محمد شاكر ، وعبد السلام هارون.