الحسن علي بن عيسى الرّمّاني (١) : هل يقتضي ظاهر الآية إلصاق الفعل بجميع المحل أو بالبعض؟ فقالا جميعا : إذا ألصق الفعل ببعض المحل تناوله الاسم. قال : وهذا يدل على الاقتصار ، على مسح بعض الرأس كما يقوله أصحابنا.
وقوله سبحانه : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥)) وهذه استعارة. والمراد بها ـ والله أعلم ـ أولي القوى في العبادة ، والبصائر في الطاعة.
ولا يجوز أن يكون المراد بالأبصار هاهنا الجوارح والحواس ، لأن سائر الناس يشاركون الأنبياء عليهمالسلام في خلق ذلك لهم. ولا يحسن مدح الإنسان بأن له يدا وقدما وعينا وفما. وإنّما يحسن أن يمدح بأن له نفسا شريفة ، وهمّة منيفة ، وأفعالا جميلة. وخلالا محمودة.
وقيل أيضا معنى (أُولِي الْأَيْدِي) : أي أولي النّعم في الدّين ، لأن ورود اليد بمعنى النعمة مشهور في كلامهم ، فإنهم أسدوا إلى الناس أيديا بدعايتهم إلى الإيمان ، وافتلاتهم من حبائل الضّلال.
وأما قوله سبحانه وتعالى في هذه السورة : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [الآية ٧٥] فقد مضى ، من الكلام على قوله تعالى في يس : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١)) [يس] ، ما هو بعينه الكلام على هذا الموضع ، فلا فائدة في إعادته. وجملته أنّ المراد بقوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) مزيّة الاختصاص بخلق آدم عليهالسلام من غير معونة معين ، ولا مظاهرة ظهير.
__________________
(١). هو مفسّر ونحوي كبير ، ولد ببغداد وتوفي بها سنة ٣٨٤ ه ؛ وله كتب «التفسير» و «شرح أصول ابن السّرّاج» و «شرح سيبويه» و «معاني الحروف» وترجمته في بغية الوعاة».