أخفّ من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا». وروي أن ابن عبّاس رضي الله عنهما سئل عن هاتين الآيتين؟ فقال : يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه ؛ وإنّي أكره أن أقول في كتاب الله ، بما لا أعلم.
فإن قيل : لم قال تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [الآية ٧] على اختلاف القراءتين (١) ومقتضى القراءتين ، أن لا يكون في مخلوقات الله تعالى شيء قبيح ، والواقع خلافه ؛ ولو لم يكن إلّا الشّرور والمعاصي فإنها مخلوقة لله تعالى عند أهل السنة والجماعة ، مع أنها قبيحة؟
قلنا :
كلمة «أحسن» بمعنى : أحكم وأتقن ، وهذا الجواب يعمّ القراءتين. الثاني : أنّ فيه إضمارا تقديره : أحسن إلى كل شيء خلقه. الثالث : أنّ «أحسن» بمعنى «علم» ، كما يقال فلان لا يحسن شيئا. أي : لا يعلم شيئا. وقال عليّ كرّم الله وجهه : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه : أي ما يعلمه ؛ فمعناه أنّه علم خلق كل شيء ، أو علم كلّ شيء خلقه ، ولم يتعلّمه من أحد ، وهذان الجوابان يخصّان بقراءة فتح اللام.
فإن قيل : لم قال تعالى هنا : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨)) وقال في موضوع آخر (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)) [المؤمنون]؟
قلنا : المذكور هنا صفة ذرّيّة آدم (ع) ، والمذكور هناك صفة آدم (ع) ؛ يعلم ذلك من أوّل الآيتين فلا تناف.
فإن قيل : لم قال الله تعالى (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [الآية ٩] والله تعالى منزّه عن الرّوح؟
قلنا : معناه : نفخ فيه من روح مضافة إلى الله تعالى ، بالخلق والإيجاد ، لا بوجه آخر. فإن قيل : لم قال تعالى هنا (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [الآية ١١] وقال تعالى ، في موضع آخر : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) [الأنعام : ٦١] ، وقال تعالى في موضع آخر : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزّمر : ٤٢]؟
قلنا : الله تعالى هو المتوفّي بخلق الموت وأمر الوسائط بنزع الروح ، والملائكة المتوفّون أعوان ملك
__________________
(١). أي بتحريك اللام أو تسكينها في قوله تعالى : (خَلَقَهُ) ..