وجاز أن تجعل : الذي اتخذتموه من دون الله مودة ، على الاتساع ؛ وتصحيح ذلك أن يكون التقدير : إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا.
وقرئ بنصب «مودة» ، وذلك على أن تكون «ما» كافة ل «أن» عن العمل ، فلا ضمير محذوف فى «اتخذتم» ، فيكون «أوثانا» مفعولا ل «اتخذتم» ، لأنه تعدى إلى مفعول واحد واقتصر عليه ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ) ٧ : ١٥٢ ، وتكون «مودة» مفعولا من أجله ؛ أي : إنما اتخذتم الأوثان من دون الله للمودة فيما بينكم ؛ لأن عند الأوثان نفعا أو ضرا.
ومن نون «مودة» ونصب أو رفع ، جعل «بينكم» ظرفا ، فنصبه ؛ وهو الأصل ، والإضافة اتساع فى الكلام ، والعامل فى الظرف : «المودة».
ويجوز أن ينصب «بينكم» من نون «مودة» ، على الصفة للمصدر ؛ لأنه نكرة ، والنكرات توصف بالظروف والجمل والأفعال ؛ فإذا نصبت «بينكم» على الظرف جاز أن يكون قوله «فى الحياة الدنيا» ظرفا ل «المودة» أيضا ، وكلاهما متعلق بالعامل ، وهو «مودة» ، لأنهما ظرفان مختلفان : أحدهما للزمان ، والآخر للمكان.
وإنما يمتنع أن يتعلق بعامل واحد ظرفا زمان ومكان ، ولا ضمير فى واحد من هذين الظرفين ، إذا لم يقم واحد منهما مقام محذوف مقدر.
وإذا جعلت قوله «بينكم» صفة ل «مودة» كان متعلقا بمحذوف ، وفيه ضمير كان فى المحذوف الذي هو صفة على الحقيقة ، فيكون «فى الحياة الدنيا» فى موضع الحال من ذلك الضمير فى «بينكم» ، والعامل فيه الظرف ، وهو «بينكم» ، وفى الظرف ، وهو «فى الحياة الدنيا» ، ضمير يعود على ذى الحال ؛ والصفة لا بد أن يكون فيها عائد على الموصوف ؛ فإذا قام مقام الصفة ظرف صار ذلك الضمير فى الظرف كما يكون فى الظرف إذا كان خبر المبتدأ أو حالا ؛ ولا يجوز أن يعمل فى قوله «فى الحياة الدنيا» ، وهو حال من المضمر فى «بينكم مودة» ؛ لأنك قد وصفت المصدر بقوله «بينكم». ولا يعمل بعد الصفة ، لأن المعمول فيه داخل فى الصفة ؛ والصفة غير داخلة فى الصلة ، فتكون قد فرقت بين الصلة والموصول ، فلا يعمل فيه إذا كان حالا من المضمر فى «بينكم» إلا «بينكم» ، وفيه ضمير يعود على المضمر فى «بينكم» ، وهو هو ؛ لأن كل حال لا بد أن يكون فيها ضمير يعود على ذى الحال كالصفة.
وأيضا فإن قوله «فى الحياة الدنيا» ، إذا جعلته حالا من المضمر فى «بينكم» إنما ارتفع بالظرف ، وجب أن يكون العامل فى الحال الظرف أيضا ، لأن العامل فى ذى الحال هو العامل فى الحال أبدا ، لأنها هو فى المعنى ، فلا يختلف العامل فيهما ، لأنه لو اختلف لكان قد عمل عاملان فى شىء واحد ، إذ الحال هى صاحب الحال ، فلا يختلف العامل فيهما.