داوود. فلم يلبث إلّا قليلا حتّى بعثه عامله بريدا إلى داوود. وأتى داوود بكتبه. ثمّ انطلق إلى أهله ، فأخبر أنّ نبيّ الله داوود أتى إلى بابه فسأل عنه وعن أهله. فلم يصل الرجل إلى أهله حتّى رجع إلى داوود ، مخافة أن يكون حدث في أهله من الله أمر. فأتى داوود وقد فرغ من كتبه ، وكتب إلى عامل ذلك الجند أن يجعله على مقدّمة القوم. فأراد أن يقتل الرجل شهيدا ويتزوّج امرأته حلالا. إلّا أنّ النية كانت مدخولة. فجعله على مقدّمة القوم فقتل الرجل شهيدا.
قال : فبينما داوود في محرابه والحرس حوله إذ تسوّر عليه المحراب ملكان في صورة آدميّين ففزع ، فقالا : (لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا) أي : وأرشدنا (إِلى سَواءِ الصِّراطِ) أي : إلى قصد الطريق. قال : قصّا قضيّتكما. فقال أحدهما : (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أي : ضمّها إليّ (وعزّني في الخطاب) أي : وقهرني في الخصومة (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ..). إلى قوله : (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي وعلم داوود أنّما ابتليناه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً) أي ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلّا للصلاة المكتوبة يقيمها ، أو لحاجة لا بدّ منها ، أو لطعام يتبلّغ به. فأتاه ملك من عند الله فقال : يا داوود ، ارفع رأسك فقد غفر الله لك. فعلم أنّ الله قد غفر له. ثمّ أراد أن يعرف كيف غفر الله مثل ذلك الذنب ، فقال : يا ربّ ، كيف تغفر لي وقد قتلته ، يعني بالنية. فقال له ربّه : أستوهبه نفسه فيهبها لي فأغفرها لك. فقال : أي ربّ ، قد علمت أنّك قد غفرت لي.
قال الله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) : أي لقربى في المنزلة (وَحُسْنَ مَآبٍ) (٢٥) : أي حسن مرجع.
قال الكلبيّ : إنّ داوود قال : ربّ اتّخذت إبراهيم خليلا ، وكلّمت موسى تكليما ، فوددت أنّك أعطيتني من ذلك ما أعطيتهم. قال الله : إنّي ابتليتهما بما لم أبتلك به. قال : فإن شئت أبتليك بما ابتليتهما وأعطيك مثل ما أعطيتهما. قال : ربّ ، نعم. قال : اعمل عملك حتّى يتبيّن بلاؤك. فمكث ما شاء الله بذلك ؛ يصوم النهار ويقوم الليل. فكان على ذلك.
فبينما هو في المحراب ذات يوم ، والزبور بين يديه ، إذ جاء طائر فوقع قريبا منه. فتناوله داوود ، فطار إلى الكوى ، فقام ليأخذه ، قال بعضهم : فوقع في مضجعه فقام ليأخذه ، فوقع الطير إلى البستان ، فأشرف داوود فنظر ، فإذا هو بامرأة تغتسل في البستان. فعجب من حسنها. فأبصرت