فيكون قضاؤه فيهم أن يدخل المؤمنين منهم الذين يتمسّكون بدينهم الجنّة ، ويدخل الكافرين منهم النار.
قوله عزوجل : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) : تفسير الحسن : الشريعة : الفريضة. وقال الكلبيّ : (عَلى شَرِيعَةٍ) أي : على سنّة (١). قال : (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١٨) : يعني المشركين ، قال : أهواؤهم الشرك.
قال : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) : أي إن اتّبعت أهواءهم عذّبتك ، وإن عذّبتك فإنّهم لن يغنوا عنك من الله شيئا. وقد عصمه الله من ذلك ، وإنّما أمره أن يثبت على ما هو عليه.
قال : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) : يعني المشركين (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) : أي في الحياة الدنيا ، وهم أعداء في الآخرة ، يتبرّأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضا قال : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (١٩) : يعني المؤمنين.
قوله : (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ) : يعني القرآن ، أي : لمن آمن به (وَهُدىً) : يهتدون به إلى الجنّة. (وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢٠) : وهم المؤمنون. والمؤمن والموقن واحد.
قوله عزوجل : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) : أي اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) : والسّيّئات هاهنا الشرك. (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : وذلك كقول أحدهم (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي ،) كما تقولون ، (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصّلت : ٥٠] ، أي الجنّة ، إن كانت جنّة ، أي : لا نجعلهم مثلهم ؛ الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنّة ، والمشركون في النار.
قال : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) : وهي تقرأ على وجهين : مقرأ مجاهد بالرفع ؛ سواء محيا المؤمن ومماته ، هو في الدنيا مؤمن وفي الآخرة مؤمن ، والكافر في الدنيا كافر ، وفي الآخرة كافر.
__________________
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢١٠ : (عَلى شَرِيعَةٍ) على طريق وسنّة». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٤٦ : «(على شريعة) على دين وملّة ومنهاج ، كلّ ذلك يقال». وقال الشريف الرضيّ : «وهذه استعارة لأنّ الشريعة في أصل اللغة اسم للطريق المفضية إلى الماء المورود ، وإنّما سمّيت الأديان شرائع لأنّها الطرق الموصلة إلى موارد الثواب ، ومنافع العباد ، تشبيها بشرائع المناهل التي هي مدرجة إلى الماء ، ووصلة إلى الرواء». انظر : الشريف الرضي ، تلخيص البيان في مجازات القرآن ، ص ٣٠٥.