دعا إليه هود عبادة الله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (٢١) : رجع إلى قصّة هود فأخبر بقوله لقومه.
(قالُوا) : أي قال له قومه (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) : أي لتصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا) : أي عن عبادتها. وهذا منهم على الاستفهام. أي قد فعلت (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٢) : أي إنّه كان يعدهم بالعذاب إن لم يؤمنوا.
(قالَ) لهم (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) : أي علم متى يأتيكم العذاب (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢٣).
قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) : أي رأوا العذاب (عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) : أي حسبوه سحابا ، وكان قد أبطأ عنهم المطر.
قال الله عزوجل : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) : أي لما كانوا يستعجلون به هودا من العذاب استهزاء وتكذيبا. فقال : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) : أي : تدمّر كلّ شيء أمرت به ، وهي ريح الدبور.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور (١). وذكروا عن ابن عبّاس عن النبيّ عليهالسلام مثل ذلك.
قال الله : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) : يقوله للنبيّ عليهالسلام ؛ أي : لا تبصر إلّا مساكنهم. وهي تقرأ على وجه آخر : (لا ترى إلّا مساكنهم) أي : قد هلكت وبقيت مساكنهم. وهي تقرأ على وجه ثالث : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) (٢). قال الله (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢٥) : أي المشركين.
قال : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) : أي فيما لم نمكّنكم فيه ، يعني مشركي العرب ، كقوله (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) [التوبة : ٦٩].
__________________
(١) حديث متّفق على صحّته ، انظر الإشارة إليه فيما سلف ، ج ٣ ، تفسير الآية ٩ من سورة الأحزاب.
(٢) هذا الوجه الأخير من القراءة هو ما رجّحه الفرّاء ، وهي قراءة عاصم وحمزة ويعقوب. وقرأ الحسن (لا ترى إلّا مساكنهم) انظر تفصيل وجوه هذه القراءات وعللها في معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ٥٥.