قال : (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ) : أي ونزل بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢٦) : أي نزل بهم عقوبة استهزائهم ، يعني ما عذّبهم به.
قوله : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) : يقوله لأهل مكّة ، وهي أمّ القرى ، منها دحيت الأرض ، وما حولها البلاد كلّها (١). أخبر بهلاك من أهلك.
قال : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) : أي أخبرناكم كيف أهلكناهم.
قال : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٧) : أي لعلّ من بعدهم يرجعون إلى الإيمان ، يحذّرهم بذلك ، كقوله : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٣٩) [الفرقان : ٣٩] ، وكقوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (٤٥)
[إبراهيم : ٤٥] يعني ما أهلك به من قبلهم من الكفّار ، يحذّرهم بهذا كلّه.
(فَلَوْ لا) : أي فهلّا (نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) : يعني آلهتهم التي عبدوها من دون الله والتي يزعمون أنّها تقرّبهم إلى الله زلفى ليصلح لهم معايشهم في الدنيا ، ولم يكونوا يقرّون بالآخرة. قال : فهلّا نصروهم إذ جاءهم العذاب.
(بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) : أي كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨). ذكروا عن عبد الله بن كثير المكّيّ (٢) أنّه كان يقرأها : (وذلك أفكهم) (٣) أي : صدّهم عن الهدى.
قوله عزوجل : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) : أي يقوله بعضهم لبعض (فَلَمَّا قُضِيَ) : أي فلمّا قرأه عليهم النبيّ عليهالسلام وأسلموا (وَلَّوْا) : أي رجعوا.
__________________
(١) قيل : هي ديار ثمود بالحجر ، ومدائن قوم لوط المؤتفكات ، وغيرها من منازل الأمم المهلكة.
(٢) في ق وع : «عبد الله بن أبي كثير» ، وهو خطأ» ، صوابه ما أثبتّه : عبد الله بن كثير المكّي الداري ، إمام أهل مكّة في القراءة. قال عنه ابن مجاهد : «ولم يزل عبد الله هو الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكّة حتّى مات سنة عشرين ومائة». انظر ابن الجزري ، طبقات القرّاء ، ج ١ ، ص ٤٤٣ ، ترجمته رقم (١٨٥٢).
(٣) وهذه قراءة نسبت أيضا إلى ابن عبّاس وأبي عياض وعكرمة وغيرهم. ويبدو أنّ ابن كثير أخذ هذه القراءة على درباس ، مولى عبد الله بن عبّاس ، انظر : ابن جنّي ، المحتسب ، ج ٢ ص ٢٦٧.