(إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (٢٩) : وهم أهل نصيبين (١).
ذكر بعضهم أنّ جنّ نصيبين أتوا النبيّ عليهالسلام فقرأ عليهم القرآن ؛ فقالوا : يا رسول الله زوّدنا ، فقال : كلّ روثة لكم خضرة ، وكلّ عظم لكم عرق. فقالوا : يا رسول الله : إنّ أمّتك ينجّسونه علينا. فنهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يستنجى بعظم أو روثة (٢).
ذكروا عن صالح مولى التوأمة عن ابن عبّاس وعن ابن مسعود أنّ جنّ نصيبين لّما قرأ عليهم النبيّ عليهالسلام القرآن فأرادوا أن يرجعوا زوّدهم الروث والعظام ، لا يأتون على شيء منه إلّا وجدوه لحما وتمرا.
ذكروا عن عون بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود قال : خرجنا حاجّين ومعتمرين ، حتّى إذا كنّا بالطريق هاجت ريح فارتفعت عجاجة من الأرض حتّى إذا كانت على رءوسنا انكشفت عن حيّة بيضاء (٣) ، فنزلنا ، وتخلّف صفوان بن المعطّل ، فأبصرها. فصبّ عليها من مطهرته (٤) ، وأخرج خرقة من عيبته فكفنها فيه ، ثمّ دفنها ، ثمّ اتّبعنا ، فإذا بنسوة قد جئن عند العشاء ، فسلّمن ثمّ قلن : أيّكم دفن عمرو بن جابر ، فقلنا : والله ما نعرف عمرو بن جابر.
فقال صفوان بن المعطّل : أبصرت جانّا أبيض فدفنته (٥). قلن : ذلك والله عمرو بن جابر ، بقيّة من استمع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قراءة القرآن من الجنّ ؛ التقى زحفان من الجنّ ، زحف من
__________________
(١) ذكرها ياقوت في معجم البلدان ، ج ٥ ص ٢٨٨ ـ ٢٨٩ وأطنب في وصفها والحديث عنها فقال : هي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة ، على جادة القوافل من الموصل إلى الشام ، وفيها وفي قراها على ما يذكر أهلها أربعون ألف بستان ، بينها وبين سنجار سبعة فراسخ ، وبينها وبين الموصل ستّة أيّام».
(٢) حديث صحيح أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجنّ ، (رقم ٤٥٠) من حديث ابن مسعود ، وفيه : «لكم كلّ عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ، وكلّ بعرة علف لدوابّكم». وأخرجه أحمد وغيرهما من طرق عدّة. انظر هذا كلّه في تفسير ابن كثير ، ج ٦ ص ٢٩٠ ـ ٣٠٦.
(٣) كذا في ق وع : «انكشفت عن حيّة بيضاء» ، وفي ز ، ورقة ٣٢٥ : «تكشّفت عن جانّ بيضاء ، يعني حيّة».
(٤) المطهرة : كلّ إناء يتطهّر به ويتوضّأ به ، وهي بفتح الميم وكسرها ، «والفتح أعلى» ، كما قال الجوهريّ.
(٥) كذا في ق وع : وفي ز ، ورقة ٣٢٥ : «أبصرت جانّا بيضاء فدفنتها» وكلاهما صحيح. جاء الوصف في العبارة الأولى تابعا للفظ الجانّ ، وفي الثانية لمعناه ، لأنّ الجانّ هو الحيّة البيضاء.