المسلمين وزحف من الكفّار ، فاستشهد رحمهالله.
ذكروا أنّ قوما نفروا إلى عبد الله بن مسعود فقالوا : بينما نحن نسير في طريق الشام إذ رفع إلينا إعصار. فلمّا انتهينا إليه إذا حيّة قتيل (١) ، فنزل بعض القوم فكفنها في عمامة له ثمّ دفنها. فلمّا نزلنا وجنّ علينا الليل إذا بامرأتين قد جاءتا ، فسلّمتا علينا ، ثمّ قالتا : أيّكم دفن عمرا اليوم؟ قلنا : ما دفنّا رجلا. قالتا : بلى ، الحيّة القتيل. قلنا : نعم. قالتا : فإن كنتم إنّما نويتم الآخرة والأجر فقد أصبتم. إن فسقة الجنّ ومسلميهم اقتتلوا اليوم فقتل فيهم ، والله إنّه لأحد النفر الذين استمعوا القرآن عند محمّد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (منذرين) أي : أنذروا قومهم.
(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) : كانوا على اليهوديّة قبل أن يسلموا. (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) : أي من الكتاب.
(يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠) : أي إلى دين مستقيم ، وهو الطريق المستقيم إلى الجنّة.
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) : يعنون النبيّ عليهالسلام (وَآمِنُوا بِهِ) : أي وصدّقوا به (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) : أي ذنوبكم كلّها (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٣١).
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ) : أي النبيّ عليهالسلام (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) : أي فليس بالذي يسبق الله حتّى لا يبعثه ثمّ يعذبه. (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) : أي يمنعونه من عذاب الله. قال : (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣٢) : أي بيّن ، يعني من لا يجيب داعي الله. أي لا يؤمن.
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ) : كقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨) [سورة ق : ٣٨] أي من عياء. وذلك أنّ اليهود أعداء الله قالت : إنّه لمّا فرغ من خلق السماوات
__________________
(١) كذا في النسخ كلّها : «حية قتيل» ، وهي عربيّة عريقة. قال ابن السكيت : «إذا كان (فعيل) نعتا لمؤنّث وهو في تأويل مفعول ، كان بغير هاء». انظر ابن السكيت ، إصلاح المنطق ، ص ٣٤٣.