وتفسير الحسن : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي : ذنوبها ، أي : شركها (١).
يريد قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة : ١٩٣] أي : حتّى لا يكون شرك. هذا في مشركي العرب. وأمّا أهل الكتاب فإذا أقرّوا بالجزية قبلت منهم وكفّ عنهم القتال. كذلك جميع المشركين إلّا مشركي العرب ، إلّا من كان دخل في أهل الكتاب منهم قبل أن يؤمر بقتال أهل الكتاب ، حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية.
قال : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ) وهذا في الأسرى. (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً). لم يكن لهم حين نزلت هذه الآية إذا أخذوا أسيرا إلّا أن يفادوه أو يمنّوا عليه فيرسلوه. وهي منسوخة ؛ نسختها : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : عظ بهم من سواهم (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٥٧) [الأنفال : ٥٧]. فإن شاء الإمام قتل الأسارى ، وإن شاء جعلهم غنيمة ، وإن شاء أفدى. وأمّا المنّ بغير فداء فليس له ذلك. قال بعضهم : لا ينتقم منهم له.
قال : (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) : يعني بغير قتال ؛ يبتلي به المؤمنين والنبيّ عليهالسلام (٢). قال : (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) : أي يبتلي بعضكم ببعض.
قال : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) : وهي تقرأ على وجه آخر : (قاتلوا) (فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) (٤) : أي فلن يحبط أعمالهم. (سَيَهْدِيهِمْ) : تفسير الحسن : يحقّق لهم الهدى (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) (٥) : وهي مثل الأولى. (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) (٦) (٣). تفسير مجاهد : إنّهم
__________________
ـ نفس الباب مختصرا من حديث ثوبان (رقم ١٩٢٠) ومن حديث جابر بن عبد الله (رقم ١٩٢٣).
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٥٧ : «وقوله : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) : آثامها وشركها حتّى لا يبقى إلّا مسلم أو مسالم. والهاء التي في (أوزارها) تكون للحرب وأنت تعني : أوزار أهلها ...». وقال ابن أبي زمنين : «المعنى حتّى يضع أهل الحرب السلاح. وهو الذي ذهب إليه مجاهد. وأصل الوزر ما حملته ، فسمّي السلاح أوزارا لأنّه يحمل. قال الأعشى :
وأعددت للحرب أوزارها |
|
رماحا طوالا وخيلا ذكورا |
وانظر اللسان (وزر).
(٢) وقيل : «بملائكة غيركم». وقال قتادة : (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) أي : والله بجنوده الكثيرة ، كلّ خلقه له جند ، ولو سلّط أضعف خلقه لكان جندا».
(٣) قيل : إنّ هذه الآية نزلت في أهل أحد ، كما رواه الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٦ ص ٤٣ ـ ٤٤ عن قتادة.