وتفسير مجاهد : (لا تُقَدِّمُوا) أي : لا تفتاتوا على الله ورسوله شيئا حتّى يقضيه الله على لسانه.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ).
تفسير الحسن أنّ أناسا من المنافقين كانوا يأتون النبيّ عليهالسلام فيرفعون أصواتهم فوق صوته ، يريدون بذلك أذاه والاستخفاف به. قال الحسن : نسبهم إلى ما أعطوه من الإيمان في الظاهر وما أقرّوا به من الفرائض فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ وقد كان من المؤمنين من يرفع صوته فوق صوت النبيّ فلا ينهاه النبيّ عليهالسلام عن ذلك ، وإنّما عنى بذلك المنافقين الذين يريدون أذاه والاستخفاف به.
قال تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٢) : أي لا تقولوا له : يا محمّد ، وقولوا يا رسول الله ويا نبيّ الله. وقال مجاهد : لا تنادوه بذلك ، ولكن قولوا له قولا ليّنا سهلا : يا رسول الله.
ثمّ قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) : [يعظّمونه بذلك فلا يرفعونها عنده] (١). (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) : أي لذنوبهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٣) : أي ثواب عظيم ، أي : الجنّة (٢).
وبلغنا أنّ ثابت بن قيس كان في أذنيه ثقل ، وكان يرفع صوته عند رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له رجل من قومه : إنّي لأراك تعيب على أصحابك من القول ، وتأتي أسوأ ما يأتون. فقال له ثابت : وما ذلك؟ قال : ترفع فوق صوت النبيّ عليهالسلام وتجهر له بالقول. فقال ثابت : يا رسول الله ، أفيّ نزلت؟ قال : نعم (٣). وهذا تفسير الكلبيّ : فقال ثابت : أما والذي أنزل عليك الكتاب لا
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٢.
(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٧٠ : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج جيّده ، ويسقط خبثه».
(٣) كذا في ق وع : «نعم». وكأنّ ظاهر الحديث يوحي بأنّ الآية نزلت في ثابت خاصّة. والحقّ أنّ ثابت بن قيس بن شماس كان ظنّ أنّ عمله كان قد حبط لأنّه كان جهير الصوت فطمأنه الرسول صلىاللهعليهوسلم بقوله : «لست منهم ، بل تعيش بخير وتموت بخير». اقرأ قصّة ثابت بن قيس حين أغلق بابه على نفسه وطفق يبكي ... في الدرّ المنثور ، ج ٦ ص ٤٥ من رواية عطاء الخراسانيّ. وانظر تفسير الطبريّ ، ج ٢٦ ص ١١٨ ـ ١١٩ ؛ وفيه : ـ