تفسير الحسن أنّ الوليد بن عقبة جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إنّ بني المصطلق ارتدّوا عن الإسلام ومنعوا الصدقة. فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد فقال : انطلق وكن قريبا من القوم ، ثمّ انظر هل لهم تهجّد من الليل وأذان أو صلاة ، تحسّس من ذلك وانظر. فأتاهم خالد وأصحابه ، ونزلوا قريبا من القوم ليلا ، فسمعوا تهجّدا وصلاة من الليل ، ثمّ سمعوا أذانا لصلاة الصبح. فأتاهم فأخبرهم أنّ فاسقا سعى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو الوليد بن عقبة ، فأخبره أنّكم ارتددتم عن الإسلام ، ومنعتم الصدقة. فبعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمرني أن أكون قريبا وأتحسّس وأنظر هل نسمع تهجّدا أو صلاة أو أذانا. فرحمكم الله وأصلحكم. فدعا لهم وودّعهم. ثمّ أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره بذلك ؛ فأنزل الله هذه الآية. فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يتبيّنوا ويتثبّتوا ألّا يصيبوا أحدا بجهالة.
وقال الكلبيّ : بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ، وهم حيّ من خزاعة ، ليأخذ منهم صدقاتهم ، ففرحوا بذلك وركبوا يتلقّونه. فبلغه أنّهم قد ركبوا يتلقّونه. وكان بينهم ضغن في الجاهليّة. فخاف الوليد أن يكونوا إنّما ركبوا ليقتلوه. فرجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يلقهم. فقال : يا رسول الله ، إنّ بني المصطلق منعوا زكاتهم وكفروا بعد إسلامهم. فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهمّ أن يغزوهم إذ أتاه وفد من بني المصطلق فقالوا : يا رسول الله ، بلغنا أنّك أرسلت إلينا من يأخذ صدقاتنا ففرحنا بذلك. وركبنا نتلقّاه. فبلغناه أنّه رجع ، وإنّا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فأنزل الله عذرهم في هذه الآية. فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، يعني الوليد بن عقبة. وفسقه هذا فسق نفاق لا فسق شرك (١).
قوله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) : تفسير الحسن : أنّه معكم مقيم ، فلا تضلّون ما قبلتم عنه. (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) : أي في دينكم. والعنت الحرج والضيق. (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) : أي بما وعدكم عليه من الثواب وكريم المآب. (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) : أي المعاصي ، أي بما أوعد
__________________
(١) انظر الواحدي. أسباب النزول ، ص ٤١٢ ـ ٤١٤. وانظر تفسير الطبري ، ج ٢٦ ص ١٢٣ ـ ١٢٤ وقد أورد فيه خبر الوليد بن عقبة مختصرا من رواية قتادة ، وفي آخره : «وكان نبيّ الله يقول : التبيّن من الله ، والعجلة من الشيطان». وانظر بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق في مغازي الواقديّ ، ج ٣ ص ٢٨٠ ـ ٢٨١. وانظر كذلك في سبب نزول الآية السيوطي ، أسباب النزول ، في تفسير الآية.