أسكنهم الله في داره ، وهي الجنّة ، ليست كجنان الدنيا ؛ أرضها رخام ليس كرخامكم هذا ، ولكنّه رخام من فضّة بيضاء ، وترابها الورس والزعفران ، وكثبانها مسك أذفر ، وأنهارها تجري في غير أخدود ، وطينها مسك أذفر ، ورضراضها (١) الدرّ والياقوت ، وقصورها من الذهب والفضّة والدرّ والياقوت والزبرجد وألوان الجوهر. وعلى الجنان كلّها حائط طوله خمسمائة سنة ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ولبنة من ياقوت. وجذوع نخلها ذهب أحمر ، وكربها (٢) درّ وزبرجد أخضر ، وسعفها حلل ، ورطبها أشدّ بياضا من الفضّة وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ليس في شيء منه نوى.
وطيرها أمثال البخت ، فإذا أكل وليّ الرحمن جاءت الطير صفّا بين يديه ، فينعت كلّ طير منها نفسه وطيب لحمه ، ورائحته وطعمه. فإذا اشتهى وليّ الرحمن شيئا من غير أن يتكلّم ، وضع على مائدته نصفه قدير ونصفه شواء.
ويعطى أحدهم قوّة مائة رجل شابّ في الطعام والشراب والكسوة والشهوة والجماع. نور الوجوه ، بيض الألوان ، صفر الحليّ ، خضر الثياب ، جردا ، مردا ، مكحّلين ، مسوّرين ، متوّجين بالذهب واللؤلؤ والجوهر. فإذا شاء أحدهم ركب فرسا من ياقوت حمراء فطارت به إلى أيّ جنّة شاء. ولكلّ رجل منهم نجيبة من ياقوت أحمر ، لها أجنحة بيض أشدّ بياضا من الثلج ، لها رحل مقدّمه ومؤخّره درّ وياقوت ، وجانباه ذهب وفضّة ، وزمامها ياقوت أحمر ، وهو ألين من الحرير. خطوتها مدّ بصره. وله فيها أزواج مطهّرة من القذى كلّها : من الحيض والبول والغائط والبزاق ، عاشقات لأزواجهنّ ، عذارى أبكار ، كلّهن على سنّ واحدة ، يجد فيها ريح إحداهنّ من مسيرة خمسمائة عام. ولهنّ حلل ، كلّ حلّة خير من الدنيا وما فيها من أوّلها إلى يوم تفنى.
قوله عزوجل : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢٥) : أي يسائل بعضهم بعضا عن شفقتهم في الدنيا من عذاب الله.
(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) : أي في الدنيا (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) (٢٦) : أي خائفين وجلين من عذاب الله (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) :
__________________
(١) الرضراض : ما استدقّ من الحصى.
(٢) الكرب : الأصول العريضة لسعف النخيل ، وهي الكرانيف ، مفردها كرنافة.