بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) (٧) : أي : جبريل بالأفق الأعلى (١) ، وهو المشرق ، فسدّ ما بين الأفقين ، في تفسير الحسن. وكان محمّد يرى جبريل في غير صورته ، أي التي هي صورته ، فرآه يومئذ في صورته.
ذكروا عن مسروق عن عائشة قالت : ثلاث من قالهنّ فقد أعظم على الله الفرية : من زعم أنّ محمّدا رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية ، لأنّ الله يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الأنعام : ١٠٣] ، ومن زعم أنّ محمّدا قد نقص شيئا من الوحي لم يخبر به فقد أعظم على الله الفرية ، لأنّ الله يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، ومن زعم أنّه يعلم ما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ، لأنّ الله يقول : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤) [لقمان : ٣٤]. قال : فقلت : يا أمّ المؤمنين : ألا تخبرينني عن قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣) [التكوير : ٢٣]. قالت : رأى جبريل في صورته قد سدّ ما بين السماء والأرض (٢).
قال عزوجل : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) (٨) : أي جبريل بالوحي إلى محمّد (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) : والقاب : القدر. وقال بعضهم : (قابَ قَوْسَيْنِ) أي : ذراعين (أَوْ أَدْنى) أي : بل أدنى من ذراعين. (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ) : أي إلى عبد الله (ما أَوْحى) (١٠). ذكروا عن
__________________
(١) كذا في ق وع وفي ز ورقة ٣٤٢ ، وهو الصحيح ، وهذا ما ذهب إليه المحقّقون من المفسّرين. أي استوى جبريل ، (وَهُوَ) أي وجبريل بالأفق الأعلى. وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٩٥ : «وقوله عزوجل (فَاسْتَوى) استوى هو وجبريل بالأفق الأعلى لمّا أسري به ، وهو مطلع الشمس الأعلى. فأضمر الاسم في (فَاسْتَوى) وردّ عليه (هُوَ). وأكثر كلام العرب أن يقولوا : استوى هو وأبوه ، ولا يكادون يقولون : استوى وأبوه ، وهو جائز ، لأنّ في الفعل مضمرا ... قال الله تبارك وتعالى ، وهو أصدق قيلا : (إِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) [النمل : ٦٧] ، فردّ الآباء على المضمر في (كنا) إلّا أنّه حسن لمّا حيل بينهما بالتراب والكلام : إذا كنّا ترابا نحن وآباؤنا. انظر في هذا ابن الجوزي ، زاد المسير ، ج ٨ ص ٦٤ ـ ٦٥ ، وانظر كذلك : ابن عاشور ، التحرير والتنوير ، ج ٢٧ ص ٩٤ ـ ٩٦.
(٢) حديث مسروق عن عائشة رواه أصحاب السنن ، انظر مثلا : صحيح البخاريّ ، كتاب التفسير ، سورة والنجم. ورواه الربيع بن حبيب في مسنده ، ج ١ ص ٢٢ (رقم ٦١) عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة مختصرا.