عروة بن الزبير عن عائشة أنّ النبيّ عليهالسلام كان أوّل شأنه أنّه يرى في المنام. فكان أوّل ما رأى جبريل بأجياد ، إنّه خرج لبعض حاجته ، فصرخ به جبريل : يا محمّد ، يا محمّد! فنظر يمينا وشمالا فلم ير شيئا. فرفع بصره ، فإذا هو بجبريل يلقي إحدى رجليه على الأخرى على أفق السماء. قال : يا محمّد ، جبريل ، جبريل ، يسكنه. فهرب محمّد عليهالسلام حتّى دخل في الناس ، فلم ير شيئا. ثمّ خرج فنظر فرآه. وذلك قول الله عزوجل : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) ، أي جبريل إلى محمّد (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى). ويقال : إن القاب نصف الإصبع ، وبعضهم يقول : ذراعين ، كان بينهما. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ، أي : جبريل إلى محمّد عليهماالسلام. وكانت عائشة رضي الله عنها تنكر أنّ محمّدا رأى ربّه. وكان عروة ينكر ذلك إنكارا شديدا. قال : وكان المسلمون ينكرون ذلك إنكارا شديدا. قال : وبيان ذلك في سورة (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) (١٥) في قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩) أي : جبريل (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَ) أي : في السماء (أَمِينٍ) (٢١) أي : على ما أتى به من الوحي (وَما صاحِبُكُمْ) يعني محمّدا عليهالسلام (بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ) أي رأى محمّد جبريل (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) (٢٣) [التكوير : ١٥ ـ ٢٣].
قوله عزوجل : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (١١) : وهي تقرأ على وجهين : بالتثقيل والتخفيف ؛ فمن قرأها بالتثقيل فهو يقول : ما كذب فؤاد محمّد ما رأى من ملكوت السماوات وآياته. ومن قرأها بالتخفيف فهو يقول : ما كذب فؤاد محمّد ما رأى ، قد صدق الرؤية فأثبتها (١).
(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) (١٢) : وهي تقرأ على وجه آخر : (أَفَتُمارُونَهُ) فمن قرأها : (أَفَتُمارُونَهُ) يقول للمشركين : أفتمارون محمّدا عليهالسلام ، أي : أفتجادلونه على ما يرى؟ يجعل المراء منهم. ومن قرأها : (أَفَتُمارُونَهُ) فهو يثبت المراء منهم خاصّة وينفيه عن محمّد عليهالسلام.
(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) (١٣) : أي مرّة أخرى ، أي رأى جبريل في صورته مرّتين(٢).
__________________
(١) كذا جاء في ق وع ، وهو الصواب ، وانظر معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ٩٦.
(٢) جمهور المفسّرين على أنّ الضمير في قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) راجع إلى جبريل الذي كنّي عنه في ـ