حين هو مسودّ الوجه ، بادي العورة ، ذليل الجسد ، كاسف البال ، آيس من كلّ خير ، مستيقن من كلّ شرّ ، تسحبه الملائكة بالسلاسل في نار تغلي على القطران ، والقطران يغلي على جسده.
قال تعالى : (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) (٧٣) : أي يستمتعون بها. والمقوون المسافرون في تفسير الحسن (١). وقال بعضهم : المقوي المسافر المرمل. والمرمل الذي قد ذهب زاده (٢). وقال مجاهد : المقوون المستمتعون.
قال تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) : قال بعضهم : بلغنا أنّها لمّا نزلت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اجعلوها في ركوعكم. قال : ولمّا نزلت : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] قال : اجعلوها في سجودكم (٣).
قوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ) : وهذا قسم. وأقسم ولا أقسم واحد. قال تعالى : (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) : أي نجوم القرآن ، وهي تقرأ : (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ، أي بنزول الوحي ، فيما ذكر عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس (٤).
وتفسير الحسن : يعني الكواكب إذا انتثرت يوم القيامة. وبعضهم يقول : النجوم إذا غابت. وقال مجاهد : موقع نجوم السماء.
قال : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (٧٧) : أقسم بمواقع النجوم إنّ هذا القرآن كريم ، أي : على الله. (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (٧٨) : أي عند الله ، بأيدي
__________________
(١) وهذا ما ذهب إليه ابن قتيبة أيضا. قال في تفسير غريب القرآن ، ص ٤٥١ : (لِلْمُقْوِينَ) يعنى المسافرين ، سمّوا بذلك لنزولهم القواء ، وهو القفر».
(٢) وهذا ما ذهب إليه أبو عبيدة. قال في المجاز ، ج ٢ ص ٢٥٢ : «المقوي الذي لا زاد له ولا مال ، وكذلك الدار التي قد أقوت من أهلها».
(٣) أخرجه ابن ماجه في باب إقامة الصلاة والسنّة فيها ، باب التسبيح في الركوع والسجود ، (رقم ٨٨٧). وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة ، باب ما يقوله الرجل في ركوعه وسجوده ، (رقم ٨٦٩) كلاهما يرويه من حديث عقبة بن عامر الجهني.
(٤) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ١٢٩ : «قال : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) قال : بمحكم القرآن ، وكان ينزل على النبي صلىاللهعليهوسلم نجوما». وقال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٥٢ : «فأقسم بمواقع النجوم ، ومواقعها مساقطها ومغايبها».