المؤمنون ، وقد عرفوا أنّهم منافقون (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) : أي إلى الدنيا (١) ، (فَالْتَمِسُوا نُوراً) : أي فمن ثمّ يكسب الإيمان الذي هو نور. فرجعوا وراءهم فلم يجدوا شيئا. فهنالك أدركتهم خدعة الله. وخدعة الله إيّاهم قوله (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢].
ذكروا عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ... أعطى كلّ إنسان مؤمن ومنافق نورا ، وتغشى ظلمة (٢) معهم المنافقين على جسر جهنّم ، فيه كلاليب وحسك يأخذون من شاء الله. ثمّ يطفأ نور المنافقين وينجو نور المؤمنين. وينجو أوّل زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ، ثمّ الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء أضاء. ثمّ كذلك [حتّى] ينجو آخر زمرة. وبلغنا أنّ النور الذي يعطى المؤمنون على قدر أعمالهم فيجوزون الصراط على قدر أعمالهم كالبرق وكالريح وكجواد الخيل وكجواد البهائم. ويسعى الرجل سعيا ، ويمشي مشيا ، وتزلّ قدم وتستمسك أخرى ، ولا يجاوز نور أحدهم قدميه. وبعضهم يزحف زحفا ، وبعضهم يتلبّط على بطنه. وقال الكلبيّ في الذي يزحف زحفا : هم الذين (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا) [التحريم : ٨].
قوله عزوجل : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) : تفسير مجاهد : السور : الأعراف (٣). (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) : أي الجنّة (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١٣) : أي النار.
قال بعضهم : بلغنا أنّه جبل أحد. قال : بلغنا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : أحد جبل يحبّنا ونحبّه. وإنّه يمثل يوم القيامة بين الجنّة والنار ويحبس عليه أقوام يعرفون بسيماهم ، هم إن شاء الله من أهل الجنّة (٤). وتفسير الحسن : إنّ السّور فصل (٥) بين الجنّة والنار. وبلغنا أنّ أصحاب الأعراف يميل بهم الصراط مرّة إلى الجنّة ومرّة إلى النار ، ثمّ يصيرون إلى الجنّة ؛ وهم قوم استوت حسناتهم
__________________
(١) وقال الفرّاء : «أي ارجعوا إلى الموضع الذي أخذنا منه النور».
(٢) كذا وردت هذه العبارة بل هذا الحديث كلّه مضطربا غير كامل في ق وع. ولم أعثر عليه في كتب الحديث لتحقيقه وتصحيحه. وأقرب حديث في معناه ما أورده السيوطيّ في الدرّ المنثور ، ج ٤ ص ١٧٢ ، وأخرجه الطبرانيّ وابن مردويه عن ابن عبّاس.
(٣) في تفسير مجاهد ، ص ٦٥٧ : «والسور كالحجاب في الأعراف».
(٤) انظر تخريجه فيما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٤٦ من سورة الأعراف.
(٥) كذا في ق وع ، ولعلها : «يفصل» ، أو «فاصل».