داخل ، يقولون : لا نتركها للمؤمنين. قال تعالى : (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) : أي يخربها المؤمنون من خارج في تفسير الحسن.
وقال الكلبيّ : لمّا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسير إلى بني النضير درّبوا الأزقّة (١) وحصّنوا الدور ، فأتاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقاتلهم إحدى وعشرين ليلة ؛ كلّما ظهر على دار من دورهم أو درب من دروبهم هدمه ليتسع المقاتل (٢) وجعلوا ينقبون دورهم من أدبارها إلى الدار التي تليها ويرمون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنقضها ، فلمّا يئسوا من نصر المنافقين ، وذلك أنّ المنافقين كانوا واعدوهم إن قاتلهم النبيّ عليهالسلام أن ينصروهم ، فلمّا يئسوا من نصرهم سألوا نبيّ الله عليهالسلام الصلح. فأبى عليهم إلّا أن يخرجوا من المدينة. فصالحوه على أن يجليهم إلى الشام على أنّ لهم أن يحملوا ـ كلّ ثلاثة منهم على بعير واحد ـ ما شاءوا من (٣) طعام وسقاء ، ولنبيّ الله وأصحابه ما فضل ؛ ففعلوا.
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعاهم إلى الصلح فأبوا. فلمّا رآهم لا ينزلون من حصونهم أمر بنخلهم فعقرت. فعقر يومئذ من صنوف التمر غير العجوة. فلمّا رأوا أنّه قد ذهب بعيشهم هبطوا إلى الصلح على أن يجليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الشام ، وشارطهم على أنّ لهم ما حمل الظهر ، سوى الحلقة والكراع (٤). وزعم بعضهم أنّ الحلقة الدروع والسلاح كلّه. فاحتملوا شروطهم حتّى إنّهم لينقضون سقوفهم. وفيهم أنزل الله : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ).
__________________
(١) أي : اتّخذوها دروبا ، أي ضيّقوها.
(٢) أي : موضع القتال ، وجاءت عبارة الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ١٤٣ هكذا : «فتحصّنوا [أي اليهود] في دورهم ، وجعلوا ينقبون الدار إلى التي هي أحصن منها ، ويرمون النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالحجارة التي يخرجون منها ، وجعل المسلمون يهدمون دورهم ليتّسع موضع القتال ...». واقرأ تفاصيل غزوة بني النضير في مغازي الواقديّ ، ج ١ ص ٣٦٣ ـ ٣٨٣ فقد أفاض فيها القول وأتى بمختلف الروايات بتحقيق جيّد وأسلوب جذّاب.
(٣) كذا في ق وع ، وفي ز ورقة ٣٥٦ : «على أنّ لهم أن يحمل أهل كلّ ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من طعام وسقاء ...».
(٤) في ق وع : «والحلقة والكراع» ، وهو خطأ صوابه ما أثبتّه : «سوى الحلقة والكراع» ، كما جاءت في كتب التفسير والسيرة» ، على أنّي لم أجد فيها ذكرا للكراع. وفي اللسان : الكراع اسم يجمع الخيل. والكراع : السلاح ، وقيل هو اسم يجمع الخيل والسلاح.