فلمّا سار أبو سفيان بالأحزاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم غدرت بنو قريظة نبيّ الله ، وقطعوا الحلف الذي كان بينه وبينهم.
فلمّا هزم الله الأحزاب أمر الله نبيّه أن يقاتل بني قريظة. فأرسل إليهم المنافقون : إن أراد محمّد أن يخرجكم من المدينة كما أخرج بني النضير فلا تخرجوا ، فو الله لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم وإن قوتلتم لننصرنكم. فاغترّ بنو قريظة بذلك ولزموا حصونهم. فقاتلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريبا من شهر. وقذف الله في قلوبهم الرعب فلم ينصروهم. فلمّا رأت بنو قريظة أنّ المنافقين قد خذلوهم وأيسوا من نصرتهم نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسم أموالهم بين المهاجرين والأنصار.
ذكروا عن عبد الله بن عمر بن سعد بن معاذ عن أبيه أنّ سعدا لم يحكم فيهم ، ولكنّ النبيّ عليهالسلام أرسل إليه فجاء على حمار فقال : أشر عليّ فيهم. فقال سعد : لقد علمت أنّ الله أمرك فيهم بأمر أنت فاعل ما أمرت به. قال : أشر عليّ فيهم. قال : لو ولّيت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ونساءهم ولقسمت أموالهم. فقال النبيّ عليهالسلام : والذي نفسي بيده لقد أشرت عليّ فيهم بالذي أمرني الله به فيهم (١).
ذكروا عن عطيّة القرظيّ ، وكان فيمن عرض على النبيّ عليهالسلام يوم قريظة ؛ فمن نبتت عانته قتل ، ومن لم تنبت ترك. قال : فنظروا فإذا عانتي لم تنبت وتركت.
قوله عزوجل : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) : أي : هم أشدّ خوفا منكم منهم من الله ، يعني بني النضير (٢). قال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٣).
قال : (لا يُقاتِلُونَكُمْ) : يعني اليهود (جَمِيعاً) : أي لا يقاتلونكم شذاذا ، أي : لا
__________________
(١) انظر الإشارة إلى هذه القصّة وبعض مصادرها فيما سلف ج ١ ، تفسير الآية ١٥٩ من سورة آل عمران.
(٢) في ق وع ، وفي ز ، وفي مخطوطة ابن سلّام ، قطعة ١٨٠ : «يعني المنافقين» ، ويبدو لي أنّ هذا خطأ من ناسخ أوّل تناقله من بعده ، فإنّ سياق الآية بعده لا يدلّ على أنّ المعنيّين هم المنافقون ، والصواب ما أثبتّه إن شاء الله ، «يعني بني النضير» ، كما جاء في بعض كتب التفسير ، انظر مثلا : تفسير الطبريّ ، ج ٢٨ ص ٤٧ ؛ وإن كان ابن عاشور يرى أنّ الضمير يعود للمنافقين وإلى اليهود معا ، كما جاء في التحرير والتنوير ، ج ٢٨ ص ١٠١ ـ ١٠٢.