يقاتلونكم إلّا جميعا من شدّة رعبهم الذي دخلهم منكم (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) : أي لا يقاتلونكم في الصحارى. قال تعالى : (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) : أي في المدائن (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) : أي يقولون إذا اجتمعوا : لنفعلنّ بمحمّد كذا وكذا ولنفعلنّ بمحمّد كذا وكذا.
قال الله عزوجل : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) : أي : مختلفة مفترقة ، أي : في قتالكم (١). وقال مجاهد : (قُلُوبُهُمْ شَتَّى) وهم المنافقون ، مختلف دينهم ودين بني النضير (٢). قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (١٤).
ثمّ قال عزوجل : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : [من قبل قتل قريظة] (٣) (قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) : يعني بني النضير. كان إهلاك الله إيّاهم قريبا : كان بين إجلاء بني النضير وقتل قريظة سنتان. نزلت هذه الآية من قوله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ ، أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ..). إلى هذا الموضع في قتل قريظة (٤) ، من قبل أن ينزل قوله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها ..). إلى قوله عزوجل : (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) وهي بعدها في التأليف. وتفسير مجاهد : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) أي : كفّار قريش يرم بدر. قال تعالى : (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي : ذاقوا عقوبة أمرهم. والوبال العقوبة. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٥).
قال : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (١٦) : بريء منه ومن عبادته إيّاه.
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ج ٣ ص ١٤٦ : (تَحْسَبُهُمْ) يعني بني النضير جميعا ، وقلوبهم مختلفة ، وهي في قراءة عبد الله : (وقلوبهم أشتّ) ، أي أشدّ اختلافا».
(٢) هذا القول الأخير هو الذي اختاره الطبريّ في تفسيره ، ج ٢٨ ص ٤٧ قال : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) يعني المنافقين وأهل الكتاب ، يقول : تظنّهم مؤتلفين مجتمعة كلمتهم ، (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) يقول : وقلوبهم مختلفة لمعاداة بعضهم بعضا». ويعجبني ما رواه الطبريّ عن قتادة في تفسير الآية قال : «تجد أهل الباطل مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم ، مختلفة أعمالهم ، هم مجتمعون في عداوة أهل الحقّ».
(٣) زيادة من ز ورقة ٣٥٨.
(٤) في ع وق : «من قبل» وفي الكلمة تصحيف صوابه ما أثبتّه : «قتل قريظة».