(فَكانَ عاقِبَتَهُما) : أي عاقبة الشيطان والذي عبده (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١٧) : أي المشركين. فضرب الله مثل المنافقين واليهود حين اغترّت اليهود بما وعدهم المنافقون من النصر فخذلوهم ولم ينصروهم (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ..). إلى قوله عزوجل : (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ). وبلغنا أنّ عابدا كان في بني إسرائيل قد خرج من الدنيا واتّخذ ديرا يتعبّد فيه. فطلبه الشيطان أن يزلّه فأعيى عليه. فلمّا رأى الشيطان ذلك جاء إلى ابنة الملك فدخل فيها فأخذها. فدعوا لها الأطبّاء فلم يغنوا عنها شيئا. فتكلّم على لسانها فقال : لا ينفعها شيء إلّا أن تأتوا بها إلى فلان الراهب فيدعو لها. فذهبوا إليه فجعلوها عنده. فأصابها يوما ما كان بها فانكشفت ، وكانت امرأة حسناء فأعجبه بياضها وحسنها ، فوقع عليها فأحبلها. فوسوس الشيطان إلى أبيها وإخوتها بأنّه قد وقع عليها فأحبلها. ثمّ وسوس إلى الراهب فقال له : اقتلها وادفنها لئلّا يعلموا أنّك أحبلتها. فقتلها الراهب ودفنها في أصل حائط. فجاء أبوها وإخوتها ، وجاء الشيطان بين أيديهم فسبقهم (١) إلى الراهب وقال : إنّ القوم قد علموا ما صنعت بالمرأة ، فإن سجدت لي سجدة رددتهم عنك ، فسجد له. فلمّا سجد له أخزاه الله وتبرّأ منه الشيطان. وجاء أبوها وإخوتها فاستخرجوها من حيث دفنها ، وعمدوا إلى الراهب فصلبوه. فضرب الله مثل المنافقين حين خذلوا اليهود فلم ينصروهم ، وقد كانوا وعدوهم النصر (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) في هذه الآية (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) ، وكذب. قال الله عزوجل : (فَكانَ عاقِبَتَهُما) أي عاقبة الشيطان وذلك الراهب (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (٢). وهو تفسير مجاهد.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) : أي : للآخرة (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨) : أي عالم بأعمالكم.
__________________
(١) في ق وع : «فتقدمهم» ، وأثبتّ ما جاء في ز وفي مخطوطة ابن سلّام : «فسبقهم» وهو أدقّ تعبيرا.
(٢) وردت هذه القصّة في بعض كتب التفسير والحديث موقوفة على ابن عبّاس ، وأحيانا على عليّ. ورفعها بعضهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ونسبت أحيانا إلى قصص وهب بن منبّه. ولم يشر إليها الفخر الرازي في التفسير الكبير مطلقا كأنه أنكر صحّتها. وانظر تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٣٧ ـ ٤٢ ، فقد رواها من طرق متعدّدة وألفاظ متقاربة.