أهل مكّة أنّ محمّدا قد نفر (١) ، ولا أدري إليكم يريد أم غيركم ، فعليكم بالحذر. وكتب مع امرأة مولاة لبني هاشم وجعل لها جعلا ، وجعلت الكتاب في خمارها. فجاء جبريل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره. فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم في طلبها عليّا ورجلا آخر (٢) ففتّشاها فلم يجدا معها شيئا. فأراد صاحبه الرجوع فأبى عليّ. وسلّ عليها السيف ، وقال : ما كذبت ولا كذبت. فأخذت عليهما عهدا إن أعطته إيّاهما ألّا يرادّاها. فأخرجت الكتاب من خمارها.
قال الكلبيّ : فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم [إلى حاطب. فلمّا حضر] (٣) قال : هل تعرف هذا الكتاب يا حاطب؟ قال : نعم. قال : فما حملك على هذا؟ قال : أما والذي أنزل عليك الكتاب ، ما كفرت منذ آمنت ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولم يكن من أصحابك أحد إلّا وله بمكّة من يمنع الذي له غيري ، فأحببت أن أتّخذ عندهم مودّة ، وقد علمت أنّ الله منزل عليهم بأسه ونقمته ، وإنّ كتابي لن يغني عنهم شيئا ، فصدّقه رسول الله وعذره ، فأنزل الله فيه هذا (٤).
وقال : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) : أي بولايتكم في الدين ، وهذا تفسير الحسن. وقال بعضهم : تبرّأنا منكم ، وهو واحد. (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) : أي أن أدخلك في الإيمان ولا أن أغفر لك. يقول : قد كانت لكم في إبراهيم والذين معه أسوة حسنة إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك [فليس] (٥) لكم فيه أسوة ، فلا تستغفروا
__________________
ـ ص ٣١٢ ـ ٣١٥.
(١) كذا في ق وع : «قد نفر» ، وفي ز ، وفي مخطوطة ابن سلّام : «يغزو».
(٢) هو الزبير بن العوّام حسبما ذكرته أغلب كتب التفسير والسيرة. وتضيف إليهما بعض الروايات المقداد بن عمرو ، أو أبا مرثد الغنوي.
(٣) زيادة لا بدّ منها ليتمّ سياق الكلام.
(٤) القصّة مشهورة تجدها في كتب التفسير والحديث والسيرة ، اقرأها مثلا في صحيح البخاريّ ، كتاب التفسير سورة الممتحنة ، من رواية عبيد الله بن أبي رافع ، كاتب عليّ ، عن الإمام عليّ يقول : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنا والزبير والمقداد ...
(٥) سقط لفظ «ليس» من ق وع ، والمعنى يقتضي إثباته.