للمشركين. وقال في سورة براءة : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤) [التوبة : ١١٣ ـ ١١٤].
قال عزوجل : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) : أي : أقبلنا مخلصين لك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٤) : أي يوم القيامة. (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) : أي بليّة (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : أي لا يظهرنّ علينا المشركون فيقولوا لو كان هؤلاء على دين ما ظهرنا عليهم فيعيبونا (١) (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٥).
قوله عزوجل : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) : أي لمن يؤمنون بالبعث. رجع إلى قوله : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ ، أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ) ؛ أمر الله النبيّ عليهالسلام والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفّارا ، كما تبرّأ إبراهيم والذين آمنوا معه من قومهم ؛ فقطع المؤمنون ولايتهم من أهل مكّة ، وأظهروا لهم العداوة.
قال عزوجل : (وَمَنْ يَتَوَلَّ) : أي : عن الإيمان (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ) : أي عن خلقه (الْحَمِيدُ) (٦) : استحمد إليهم ، أي : استوجب عليهم أن يحمدوه.
ثمّ قال عزوجل : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) : يعني المشركين. فلمّا أسلم أهل مكّة خالطهم المسلمون وناكحوهم ، وتزوّج رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، وهي المودّة التي ذكر الله عزوجل. قال الله : (وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧).
قوله عزوجل : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) : يعني قرابة المؤمنين (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بالصلة (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) : أي وتعدلوا إليهم ، أي في أموالكم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٨) : أي العادلين. وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم
__________________
(١) كذا في مخطوطة ابن سلام : «فيعيبونا» وهو أصحّ. وفي ق وع وز ورقة ٣٥٩ : «فيفتتنوا بنا». وجاء في تفسير مجاهد ص ٦٦٧ في تفسير الآية : «يقول : ربّنا لا تعذّبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حقّ ما أصابهم هذا ، وما سلّطنا عليهم».