فَاتَّقُونِ) (١٦) : أي لا تشركوا بي شيئا ولا تعصون.
قوله : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) : والطاغوت الشياطين (أَنْ يَعْبُدُوها) : وذلك أنّ الذين يعبدون الأوثان إنّما يعبدون الشياطين لأنّهم هم يدعونهم إلى عبادتها. قال : (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) : أي وأقبلوا مخلصين إلى الله (لَهُمُ الْبُشْرى) : أي الجنّة. قال : (فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) : أي بشّرهم بالجنّة. والقول : كتاب الله ، (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي فيعملون بما أمرهم الله به فيه ، وينتهون عمّا نهاهم الله عنه فيه. قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨) : أي أولو العقول.
قال : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) : أي سبقت عليه كلمة العذاب (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩) : أي تهدي من وجب عليه العذاب ، أي لا تهديه.
قال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : أي أنهار الجنّة. تجري في غير خدود ، أي : في غير خنادق من الماء والعسل واللبن والخمر ، وهو أبيض كلّه ؛ فطينة النهر مسك أذفر ، ورضراضه الدّرّ والياقوت ، وحافاته قباب اللؤلؤ. (وَعْدَ اللهِ) : الذي وعد المؤمنين ، يعني الجنّة. (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠) (١).
قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) : والينابيع العيون (٢).
(ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) : كقوله : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ ..). إلى آخر الآية [يونس : ٢٤]. قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٢١) :
__________________
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ١٨٩ : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) نصب ، مجازه مجاز المصدر الذي ينصبه فعل من غير لفظه. والوعد والميعاد والوعيد واحد. قال أبو عبيدة : إذا قلت : وعدت الرجل ، فالوجه الخير ، ويكون الشرّ ؛ قال الله : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ٧٢] وإذا قلت : أوعدت فالوجه الشرّ ولا يكون الخير».
(٢) قال أبو عبيدة : «الينابيع واحدها ينبوع ، وهو ما جاش من الأرض». أي : ما تدفّق ، ومنه : جاش الوادي : إذا زخر وامتدّ جدّا.