أي لذوي العقول ، وهم المؤمنون ، يتذكّرون فيعلمون أنّ ما في الدنيا ذاهب.
قال : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) : أي وسّع. كقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] قال : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) : أي ذلك النور في قلبه. (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) : أي الغليظة (مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢) : أي عن الهدى. أي : إنّ الذي شرح الله صدره للهدى فهو على نور من ربّه ، ليس كالقاسي قلبه ، يعني المشرك ، الذي هو في ضلال مبين ، أي عن الهدى ، أي بيّن الضلالة. وهذا على الاستفهام ، يقول : هل يستويان ، أي : إنّهما لا يستويان.
قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) : يعني القرآن (كِتاباً مُتَشابِهاً) : أي يشبه بعضه بعضا في نوره وعدله وصدقه (مَثانِيَ) : أي يثنّي الله فيه القصص ، أي : يذكر الجنّة في هذه السورة ، ثمّ يذكرها في سورة أخرى ، ثمّ يذكر النار في هذه السورة ، ثمّ يذكرها في غيرها من السور. وهذا تفسير الحسن. وقال بعضهم : يذكر الآية في هذه السورة ثمّ يذكرها في الأخرى (١).
(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) : أي إذا ذكروا وعيد الله وما أعدّ.
قال : (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) : أي إذا ذكروا أعمالهم الصالحات لانت جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ، أي إلى وعد الله الذي وعدهم (٢). قال : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣) : أي يهديه.
قال : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) : أي شدّة العذاب (يَوْمَ الْقِيامَةِ) : أي يجرّ على وجهه في النار. وأوّل ما تصيب منه النار إذا ألقي فيها وجهه لأنّه يكبّ على وجهه ، كقوله
__________________
(١) قال الزمخشريّ في الكشّاف ، ج ٤ ص ١٢٣ : «... (كِتاباً) بدل من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، ويحتمل أن يكون حالا منه. و (مُتَشابِهاً) مطلق في مشابهة بعضه بعضا ... ويجوز أن يكون (مَثانِيَ) بيانا لكونه متشابها ، لأنّ القصص المكرّرة لا تكون إلّا متشابهة. والمثاني : جمع مثنى بمعنى مردّد ومكرّر. ولما ثنّى من قصصه وأنبائه ، وأحكامه ، وأوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ومواعظه. وقيل : لأنّه يثنّى في التلاوة فلا يملّ ، كما جاء في وصفه ، لا يتفه ولا يتشانّ ...».
(٢) وقد أوجز الفرّاء هذا فقال في المعاني ، ج ٢ ص ٤١٨ : «تقشعرّ خوفا من آية العذاب إذا نزلت ، ثمّ تلين عند نزول آية رحمة».