قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) : تفسير الحسن : من لم يكن من أزواجكم وأولادكم على دينكم فهو عدوّ لكم. (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا) : أي عمّا يؤذونكم به فيما بينكم وبينهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤). وذلك قبل أن يؤمر بقتال المشركين خاصّة.
وتفسير مجاهد : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) قال : يحمل الرجل حبّه ولده وزوجته على قطيعة رحمه وعلى معصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا يستطيع من حبّه إلّا أن يطيعه.
وتفسير الكلبيّ : إنّ الرجل كان إذا أراد الهجرة تعلّق به ولده وزوجته وقالوا له : نناشدك الله أن تذهب وتتركنا فنضيع ، فمنهم من يطيع أمرهم فيقيم ، فحذّرهم الله إيّاهم ونهاهم عن طاعتهم. ومنهم من يمضي على الهجرة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويحذّرهم ويقول : أما والله لئن لم تهاجروا معي وأبقاكم الله حتّى تجتمعوا بي في دار الهجرة لا أنفعكم بشيء أبدا. فلمّا جمع الله بينهم وبينه أنزل الله : (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
ذكروا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ليس عدوّك الذي إن قتلك أدخلك الله به الجنّة ، وإن قتلته كان لك ثوابا ، ولكن أعدى الأعداء نفسك التي بين جنبيك ، ثمّ أعدى الأعداء ولدك الذي خرج من صلبك. ثمّ أعدى الأعداء زوجتك التي تضاجعك ، ثمّ أعدى الأعداء ما ملكت يمينك (١).
قوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) : أي اختبار وبليّة لينظر كيف تعملون. (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٥).
ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا إنّ الدنيا خضرة حلوة ، وإنّ الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، ألا فاتّقوا الدنيا ، واتّقوا النساء ، لا يقلّدنّ الرجل منكم دينه امرأته (٢).
__________________
(١) رواه الطبرانيّ من حديث أبي مالك الأشعريّ مختصرا بلفظ : «ليس عدوّك الذي إن قتلته كان لك نورا ، وإن قتلك دخلت الجنّة ، ولكن أعدى عدوّ لك ولدك الذي خرج من صلبك ، ثمّ أعدى عدوّك مالك الذي ملكت يمينك».
(٢) حديث صحيح أخرجه مسلم في كتاب الرقاق ، باب أكثر أهل الجنّة الفقراء ، وأكثر أهل النار النساء ، وبيان الفتنة بالنساء ، من حديث أبي سعيد الخدريّ (رقم ٢٧٤٢) ولم ترد فيه الجملة الأخيرة.